للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يخصه لأن النصراني لا يذبح إلا لله إلا أنه جهل في اعتقاده أن المسيح هو الله تعالى بخلاف المشركين فإنهم يذبحون للنصب مع اعتقادهم أنها غير الله تعالى، وأما قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} فهو عام في جميع أجزائها إلا في الشعر فإنه ليس بميت وإلا في الجلد حالة الدباغ وجواز الانتفاع كما تقدم (١)، وأما قوله تعالى {وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} فإن العلماء اختلفوا في جلده؛ فقال مالك، رضي الله عنه: لا يباح لكن لا بأس بالانتفاع بجلده بعد الدباغ (٢)، وبه قال أبو يوسف (٣)، وخالفه جميع العلماء في ذلك (٤) فقالوا: لا يحلّ ذلك في حال، وتعلق مالك: رضي الله عنه، بعموم قوله "أَيَّما إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ" (٥) لأنه لا يكون في تحريمه أعظم من الميتة التي كانت الجاهلية تأكلها، وكذلك قال مالك، رضي الله عنه: يباع شعر الخنزير وينتفع به لأنه لا خنزيرية فيه، ومنع ذلك أصبغ (٦)، والصحيح عندي أنه لا يحل شيء من الخنزير في حال من الأحوال (٧)، وإنما أذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، في الدباغ في جلد الميتة لأنه يخلف الحياة، وقد روى الدارقطني وغيره "دِبَاغُ الْأَدِيمِ ذَكَاتُهُ" (٨)، والخنزير خارج عن هذا كله. واختلف علماؤنا في الضبع


(١) تقدم.
(٢) انظر بداية المجتهد ١/ ٧٨ فقد حكى عن مالك فيها روايتين.
(٣) هو يعقوب بن إبراهيم، مات ببغداد سنة اثنتين وثمانين ومائة، وكان من أصحاب الحديث ثم غلب عليه الرأي وأخذ الفقه عن محمَّد بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى، ثم عن أبي حنيفة وولّي القضاء لهارون الرشيد. طبقات الفقهاء ص ١٣٤، الأعلام ٩/ ٢٥٢، أخبار القضاة لوكيع ٣/ ٢٥٤، تاريخ بغداد ٢/ ٢٤٢.
(٤) انظر رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين ١/ ٢٠٤، والبناية ١/ ٣٦٠.
(٥) الموطّأ ٢/ ٤٩٨، ومسلم في الحيض باب الوضوء مما مست النار ١/ ٢٧٣، وشرح السنة ٣/ ٩٧، وأبو داود ٤/ ٣٦٧، والترمذي ٤/ ٢٢١، والنسائي ٧/ ١٧٣، وابن ماجه ٢/ ١١٩٣ كلهم عن ابن عباس.
(٦) أصبغ بن الفرج بن سعيد الأموي مولاهم الفقيه المصري، أبو عبد الله، ثقة مات مستتراً أيام المحنة سنة ٢٢٥ من العاشرة/ خ د س، ت ١/ ٨١، وانظر ت ت ١/ ٣٦١.
(٧) هذا مذهب ابن جرير؛ فقد قال: الخنزير حرام جميعه لم يخصص منه شيء. تفسير ابن جرير ٦/ ٤٤، وانظر مختصر ابن كثير ١/ ٤٧٩.
(٨) سنن الدارقطني ١/ ٤٥، وأبو داود ٤/ ٣٦٨ - ٣٦٩، والنسائي ٧/ ١٧٣، وأحمد. انظر الفتح الرباني ١/ ٢٣١، وابن حبان، انظر موارد الظمآن ص ٦١، والبيهقي في السنن الكبرى ١/ ١٧ كلهم عن جون ابن قتادة عن سلمة بن المحبق.
درجة الحديث: قال الحافظ: إسناده صحيح. تلخيص الحبير ١/ ٦١ وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير ٣/ ١٠٤.

<<  <   >  >>