للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تُشَدُّ الرّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاَثةِ مسَاجِدٍ: مَسْجِدِي هَذَا وَالْمَسجِدِ الْحَرَامِ وَالمَسْجِدِ الأَقْصَى" (١)، هذا بقوله، وكان يأتي (قُبَاءَ كُلَّ سَبْتٍ رَاكِباً وَمَاشِياً) (٢) بفعله. فإذا نذر الإِنسان طاعة في المساجد الثلاثة لزمه إتيانها, ولا يلزم إتيان مسجد قباء لأن القول قد قضى على الفعل، وتبين أن ذلك الفعل كان مخصوصاً. قال علماؤنا: إنما كان ذلك تشديداً للعهدة وتأنيساً لأهله، ومن أغرب ما قال علماؤنا: إن من نذر المشي إلى الصفا والمروة وعرفة ومنى لا يلزمه (٣)، وإن كانت مواضع قرب فرائض ونوافل، ولعلَّهم تعلَّقوا بذلك إلى قوله "ثَلاَثَةِ مَسَاجِدٍ" فعيَّن المسجدية. قال علماؤنا: فيأتي المسجد حاجاً أو معتمراً. ومعنى هذا إذا قلنا إن مكة لا تدخل إلا بالإحرام (٤) على المشهور، وإن قلنا على الرواية الأخرى: إن مكة تدخل لغير إحرام فلا يخلو أن ينوي هو صلاةً أو حجاً أو عمرة؛ فإن نوى حجاً أو عمرة لزمه الإحرام ودخل هو حاجاً، وإن نوى الصلاة دخل مصلياً، وإن أطلق اللفظ ولم تكن له نية، فإن قلنا: إن اليمين محمولة على العرف، وهو المشهور، لزمه أن يدخلها حاجاً أو معتمراً لأن ذلك هو العرف وإن لم يلتفت إلى العرف في اليمين على الرواية الأخرى دخل إلى المسجد كيف شاء .. هذا الباب مذهبنا وقد خالَفنا جماعة من العلماء فقالوا: إن المشي لا يلزم لأن القربة إنما هي في قصده لا في صفة القصد، وقد قال الله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} (٥)، وأمر النبي، - صلى الله عليه وسلم -، بالصدقة ونهى عن المثالة وقال: "إنَّ المَثَالَةَ أَنْ يَنْذُرَ الرَّجُلُ أَنْ يَحِجَّ


(١) متفق عليه من حديث أبي سعيد .. وفيه: لاَ تُشَدّ الرَحَالُ إلَّا إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدٍ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الأَقْصَى وَمَسْجِدِي هذَا. البخاري في الصوم باب الصوم يوم النحر ٣/ ٥٦، ومسلم في الحج باب سفر المرأة في حج وغيره ٢/ ٩٧٦، ورواه مسلم في الحج أيضاً باب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ٢/ ١٠١٤ من حديث أبي هُرَيْرَة.
(٢) متفق عليه، البخاري في التطوع باب مسجد قباء، وفي باب من أتى قباء ٢/ ٤، ومسلم في كتاب الحج باب فضل مسجد قباء وفضل الصلاة فيه وزيارته ٢/ ١٠١٦، كلاهما عن ابن عمر.
(٣) هكذا قال ابن عبد البر وزاد: وقيل يلزمه الحج أو العمرة إلا أن يريد تلك المواضع بأعيانها. الكافي ١/ ٤٥٨.
(٤) قال ابن عبد البر: لا يجوز لغير المكي أن يدخل مكة حلالاً، وأقل ما عليه في دخولها عمرة إلا أن يكون من أهل القرى المجاورة لها، المترددين بالحطب والفاكهة إليها، الكافي ١/ ٣٨١. قلت: المسألة خلافية بين العلماء, انظر تفصيل ذلك في المغني ٣/ ٣٥٣.
(٥) سورة الحج آية ٢٧. =

<<  <   >  >>