للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بشرطه لم يجز. والحديث مشهور في الصحيح ذكر منه مالك نصفه وتمامه (لَا يَخْطبُ أحَدُكُمْ عَلَى خطْبَةِ أخِيهِ وَلَا يَبع عَلَى بَيْعِ أخِيهِ) (١) ومعنى لا يبع لا يسم؛ لأن البيع إن وقع لم يتصور بعده بيع، وكذلك رواه مسلم (لاَ يَخُطُب أحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أخِيهِ وَلَا يَسُمْ عَلَى سَوْمِ أخِيهِ) (٢) مفسراً متقناً، والحديث عام بإطلاقه في كل حالة من أحوال الخطبة، خصَّصه في عمومه وحمله على بعض محتملاته حسب ما فسَّره مالك، رضي الله عنه، إذا تراكنا واتفقا على الصداق وهما يحاولان العقد ويتناولانه (٣) أمران بديعان:

أما أحدهما: فحديث فاطمة بنت قيس قال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إِذَا حَلَلْتِ فَلَا تُحْدِثي شَيْئاً حَتى تُؤَاذِنِيني، قَاك: فَلَمَّا حَلَلْتُ جئْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله صَلى الله عَلَيْكَ، خَطَبَني مُعَاوِيةُ ابنُ أبي سُفْيَان وَأبو جَهْمُ بْنُ أبِي حُذَيْفَةَ فَقَالَ: "أمَّا مُعَاوَيةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ، وَأمَا أبُو جَهْم فَلَا يَضَعْ عَصاهُ عَنْ عَاتِقِهِ وَلَكِنِ انْكِحِي أُسَامَةَ بْن زَيدٍ فَنَكَحَتْهُ فَاغْتَبَطَتْ بِهِ" (٤).

وأما الثاني: فما أشار إليه مالك، رضي الله عنه، من قوله. (فَهذا بَابُ فَسَادٍ يدخلُ عَلَى النَّاسِ) (٥)، إشارة إلى ما يقع بينهم من التقاطع والشحناء التي فيها فساد ذات البين، فخص مالك، رضي الله عنه، هذا العموم وحمله على بعض محتملاته بالمصلحة، وهو أصل ينفرد به عن سائر العلماء. فأصول الأحكام خمسة: منها أربعة متفق عليها من الأمة الكتاب والسنة والإجماع والنطر والاجتهاد فهذه الأربعة، والمصلحة وهو الأصل الخامس الذي انفرد به مالك، رضي الله عنه، دونهم ولقد وفق فيه من بينهم، وقد بيَّنا ذلك في أصول (٦) الفقه، ثم اختلف المالكية إذا وقع هذا فقيل: يفسح لأنه فاسد فنهي


(١) مسلم في كتاب النكاح باب تحريم الخطبة على خطبة أخيه حتى يأذن أو يترك، من حديث ابن عمر، مسلم ٢/ ١٠٣٢ وقدم تخريجه.
(٢) مسلم في الباب السابق ٢/ ١٠٣٣ من حديث أبي هُرَيْرَة.
(٣) الموطّأ ٢/ ٥٢٣.
(٤) مسلم في كتاب الطلاق باب المطلقة ثلاثاً لا نفقة لها ٢/ ١١١٤، والموطأ ٢/ ٥٨٠ - ٥٨١، وأبو داود ٢/ ٧١٢ - ٧١٣، والشافعي في الرسالة فقرة ٨٥٦.
(٥) الموطأ ٢/ ٥٢٤.
(٦) قال القرافي: فغيرنا يصرح بإنكارها، ولكنهم عند التفريغ نجدهم يعلِّلون بمطلق المصلحة ولا يطلبون أنفسهم عند الفروق والجوامع بإبداء الشاهد لها بالاعتبار، بل يعتمدون على مجرد المناسبة، وهذا هو المصلحة المرسلة .. شرح التنقيح ص ٤٤٨.

<<  <   >  >>