للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلنا: اختلف الناس في ذلك، عصر الصحابة، وكذلك أيضاً اختلف أهل الإِعراب في الآية، ودار الأمر بين الفقهاء والنحويين، وقد بينَّا ذلك في كتاب الأحكام (١) وفي رسالة ملجئة المتفقهين إلى معرفة غوامض النحويين. الإشارة فيه إلى أن نعت المعمولين المختلفي العامل كالعطف على معمول لعاملين. ومن الخفي (٢) أن الصحابة، رضي الله عنهم، ما اختلفوا في أنَّ العقد على البنت يحرم الأمَّ أم لا إلا لاحتمال موقع العربية في ذلك واختلافه، فإن الصحابة، رضي الله عنهم، بلغاء لُسُن (٣) فصحاء لُدّ،. فما كان ليخفى عليهم موقع الوضع العربي في النعت الذي يشترك فيه معمول عاملين (٤)، فلما اختلفوا دل ذلك على أن الأمر واقع في العربية بالوجهين فأفتى علي بأن لا يحرم الأم دخول البنت (٥)، كما لا يحرم البنت باتفاق إلا دخول الأم، وأفتى بذلك ابن مسعود ثم رحل إلى المدينة فتذاكر المسألة مع علمائها فقالوا له: إن العقد على البنت يحرم الأم خاصة، فرجع عن ذلك (٦). ولم يرجع إليه لفصل من العربية استفاده ولا سبيل من اللغة كان جهلها


(١) انظر الأحكام للشارح ١/ ٣٧٦.
(٢) في (م) من الجلي، ولعلها هي الصواب. أما في (ك) فالعبارة غير واضحة.
(٣) أي فصحاء. انظر ترتيب القاموس ٤/ ١٤٢.
(٤) قال في الأحكام: واختلف النحاة في الوصف في قوله تعالى {اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ}، فقيل يرجع إلى الربائب والأمهات، وهو اختيار أهل الكوفة، وقيل يرجع إلى الربائب خاصة، وهو اختيار أهل البصرة وجعلوا رجوع الوصف إلى الموصوفين المختلفي العامل ممنوعاً كالعطف على عاملين، وجوَّز ذلك أهل الكوفة ورأوا أن عامل الإضافة غير عامل الخفض بحرف الجر. الأحكام ١/ ٣٧٦.
(٥) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه ٦/ ٢٧٨ عن مَالِكِ بْنِ أوْس بْنِ الْحَدثَانِ النصْرِي قَالَ: (كانَتْ عِنْدِي امْرَأةَ فَتُوفّيَتْ وَقَدْ وَلَدت لي فَوَجَدْت عَلَيْهَا فلَقِينى عَليٌّ بْن أبِي طالبٍ فَقَالَ مَا لَكَ؟، فَقُلْتُ: توُفِّيَتِ الْمَرْأة فَقَالَ عَلىّ: لِهَا ابنَةٌ؟ قلْتُ: نَعَمُ وَهي بِالطائِفِ: قَالَ: كانتْ في حِجْرِكَ، قلْتُ: لاَ. قَالَ: فَأنكِحْهَا، قلْتُ: فَأينَ قَوْل الله: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} قَالَ: إنهَا لَمْ تَكُنْ في حِجْرِكَ إنمَا تلِكَ إنْ كَانَتْ في حِجْرِكَ .. قال ابن كثير في تفسيره ٢/ ٢٣٨: هذا إسناد قوي ثابت إلى علي بن أبي طاب على شرط مسلم وهو قول غريب جداً، وإلى هذا ذهب داود الظاهري وأصحابه واختاره ابن حزم .. كما صححه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ١٣٦.
درجة الأثر: صححه ابن كثير والسيوطي.
(٦) رواه عبدُ الرزَّاقِ عَنِ الثوري عن أبي فْروةَ عنْ عمرَ الشَّيبَاني عَنِ ابن مَسْعُودٍ أنّ رجلاً من بني فُزارَةَ تزوج امرأة ثم رأى أمها فأعجبته فأفتاه ابن مسعود يفارقها وَيتَزوَّج أمَّهَا إنْ كان لَم يمسها فَتَزَوَّجَهَا وَولَدتْ له أولاداً.
ثم أتَى ابن مَسْعودٍ المدِينَةَ فَسَألَ فَأخْبِرَ أنهَا لَا تَحِلُّ فَلَمَّا رَجعَ إلَى الكوفَةِ قَال لِلرَّجلِ: إنَّهَا عَلَيْكَ حَرَامٌ =

<<  <   >  >>