للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (أرأيت إن منع الله الثمرة فبم يأخذ أحدكم مال أخيه) (١) فإن قيل فقد قال كالمشورة لهم فلم يجعله نهيًا جزمًا. قلنا: قد قام الدليل من القرآن والخبر المذكور على أن النهي فيه جازم والمعنى فيه مفهوم وقول زيد بن ثابت كالمشورة لهم ظنٌ منه وتأويل وإذا استقام في الرواية الدليل لم يقدح فيه ما يظنه الراوي من التأويل.

جواب آخر: وذلك أن قوله كالمشورة لهم يعني به كالمشورة الموبخة لا كالمشورة المخيرة (٢) وقد مهدنا ذلك في شرح الحديث. وأما من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يستوفيه فليس فيه تعليل وإنما هو شرع مخض وتعبد صرف واختلف العلماء فيه على أربعة أقوال:

فمنهم من قال إنه جارٍ في كل شيء وهو الشافعي وتعلق في ذلك بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه (نهى عن بيع ما لم يقبضوا وعن ربح ما لم يضمنوا) (٣) وروى أنه لما ولى عتّاب بن أسيد على مكة قال: (إنههم عن بيع ما لم يقبضوا وعن ربح ما لم يضمنوا) وهذان الحديثان خرجهما الدارقطني وغيره وليسا بصحيحين (٤) ومنهم من قال يحمل كل


(١) تقدم ذلك من حديث زيد بن ثابت.
(٢) قال الداودي قول زيد بن ثابت كالمشورة يشير بها عليهم تأويل من بعض نقلة الحديث وعلى تقدير أن يكون من قول زيد بن ثابت فلعل ذلك كان في أول الأمر ثم ورد الجزم بالنهى كما بينه حديث ابن عمر (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها نهى البائع والمبتاع) قال الحافظ عقب كلام الداودي قلت وكأن البخاري استشعر ذلك فرتب أحاديث الباب بحسب ذلك فأفاد حديث زيد بن ثابت سبب النهي وحديث ابن عمر التصريح بالنهي وحديث أنس بيان الغاية التي ينتهي إليها النهي. فتح الباري ٤/ ٣٩٧.
(٣) أخرجه أبو داود في البيوع رقم ٣٥٠٤ والترمذي في البيوع ١٢٣٤ وقال حسن صحيح والنسائي في البيوع ٧/ ٢٨٨ وابن ماجه في التجارات باب النهي عن بيع ما ليس عندك صحيح سنن ابن ماجه للألباني ٢/ ١٣ وأحمد في المسند ٦٦٢٨ و ٦٦٧١ والبغوي في مصابيح السنة ٢/ ٣٣٢ من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يحل سلف وبيع ولا شرطان ولا بيع ولا ربح ما لم تضمن ولا بيع ما ليس عندك) ورواه الحاكم وصححه هو والذهبى المستدرك ٢/ ١٧. وأيضًا صححه الترمذي ومن المتأخرين الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على المسند والشيخ ناصر الدين الألباني في صحيح ابن ماجه ولكن عاد فحكم عليه بالحسن في إرواء الغليل ٥/ ١٤٦ والذي يظهر أن الحديث صحيح وقد تقدم في مواضع كثيرة من هذا الكتاب تصحيح ابن العربى لرواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وصححه البغوي في مصابيح السنة ٢/ ٣٣٢ وصححه أيضًا أحمد بن صديق الغماري انظر الهداية في تخريج أحاديث البداية ٧/ ٢٣٢.
(٤) لم أجد العزو الذي عزاه الشارح في سنن الدارقطني ولعله في كتابه العلل أما الحديث الأول فقد تقدم تخريجه وأما الحديث الثانى فقد أورده الهيثمي في مجمع الزوائد وعزاه للطبراني في الأوسط وقال فيه يحيى بن صالحٍ الأيلي قال الذهبى روى عنه يحيى بن بكير مناكير ثم بعد كلام الذهبي قال قلت ولم أجد لغير الذهبي فيه كلامًا وبقية رجاله رجال الصحيح مجمع الزوائد ٤/ ٨٥ ورواه ابن عدي في الكامل ٧/ ٢٧٠٠ في ترجمة يحيى =

<<  <   >  >>