للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والدليل على أنه عيب زيادة الثمن بالتصرية ونقصانه بعدمها ولا جواب عن هذا. ورد أبو حنيفة هذا الحديث لوجهين: أحدهما أن راويه أبو هريرة ولم يكن فقيها وإنما كان رجلاً صالحا وإنما تقبل روايته في المواعظ لا في الأحكام (١) وأسندوا ذلك إلى الشعبي (٢) ونعوذ بالله من مسألة لا تثبت لصاحبها إلا بالطعن علي الصحابة وأبو هريرة زاهد حافظ نالته بركة الثوب المجموع له فلو لم يكن فقيهاً لنفعته بركة الحفظ في كل ما يقول (٣) ولقد كنت بجامع المنصور في حلقة قاضي القضاة الدامغاني (٤) وجرت هذه المسألة في ذكر أبي هريرة فقال لي بعض علمائنا طعن بعضهم في أبي هريرة في هذا المجلس فوقعت حية من السقف في أثناء المجلس عظيمة المنظر وقصدت إلى المتكلم في أبي هريرة ونفر المجلس وتفرق الخلق ثم أخذت تحت بعض السواري حجراً فدخلت فيه.

الثاني وقد قال أبو حنيفة إن هذا الحديث يخالف أصول الشريعة من ثمانية أوجه فأوردها وجاوبنا عليها كما في مسائل الخلاف (٥) ومن غرائب مذهبنا أن أشهب ذكر عنه في


(١) قال الحافظ اعتذر الحنفية عن الأخذ بحديث المصراة بأعذار شتى فمنهم من طعن في الحديث لكونه من رواية أبي هريرة ولم يكن كابن مسعود وغيره من فقهاء الصحابة فلا يؤخذ بما رواه مخالفاً للقياس الجلي وهو كلام آذى قائله نفسه وفي حكايته غنى عن تكلف الرد عليه وقد ترك أبو حنيفة القياس الجلي لرواية أبي هريرة وأمثاله كما في الوضوء بنبيذ التمر ومن القهقهة في الصلاة وغير ذلك وقال وأظن أن لهذه النكتة أورد البخاري حديث ابن مسعود عقب حديث أبي هريرة إشارة منه إلى أن ابن مسعود قد أفتى بوقف حديث أبي هريرة فلولا أن خبر أبي هريرة في ذلك ثابت لما خالف ابن مسعود القياس الجلي في ذلك وقال ابن السمعاني في الاصطلاح التعرض إلى جانب الصحابة علامة على خذلان فاعله بل هو بدعة وضلالة. فتح الباري ٤/ ٣٦٤ - ٣٦٥.
وانظر الاعتراضات على الحنفية والإجابة عنها في عمدة القاري ١١/ ٢٧٠.
(٢) وهو عامر بن شراحيل الشعبي.
(٣) مسلم في كتاب الفضائل باب من فضائل أبي هريرة من حديث الزهري عن الأعرج قال سمعت أبا هريرة يقول: (إنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والله الموعد كنت رجلاً مسكينا أخدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ملء بطني وكان المهاجرون يشغلهم الصفق بالأسواق) ... مسلم (٢٤٩٢).
(٤) لعله عبيد الله بن محمد بن طلحة بن الحسن أبو محمد الدامغاني ابن أخت قاضي القضاة أبي عبد الله محمد بن علي الدامغاني شهد عند خاله في يوم الثلاثاء ٢٦ من ربيع الآخر سنة ٤٥٢ فقبل شهادته ثم ولاه القضاء بربع الكرخ يوم الثلاثاء ١٩ رجب سنة ٤٧٠ هـ وقد مات رحمه الله سنة ٥٠٢ هـ ودفن عند قبر أبي حنيفة. ذيل تاريخ بغداد لابن النجار ٢/ ١٢٤.
(٥) هذه المسائل ذكرها العيني في عمدة القاري ١١/ ٢٧٠ وصاحب اعلاء السنن ١٣/ ٦٠ وأجابا عن تلك المسائل وكذلك ذكرها الحافظ في الفتح ٤/ ٣٦٤.

<<  <   >  >>