للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ربه بنفسه فقال: {إنما أنا بشر (١) مثلكم "يوحى إليّ"} (٢) فأخبر أنه - صلى الله عليه وسلم - على حكم البشرية التي جبل عليها فإن الله شرف بالوحي الذي جعله فيه واسطة بينه ويين خلقه وللبشر صفات منها كمال ومنها دناءات فأما صفات الكمال فهي له ولأصحابه الكرام على التمام والكمال وأما الدناءات فهم مبرؤون عن التلبس بها وقد اختلف الناس في عصمة الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين وييناه في كتب الأصول والذي عندي أنهم بعد النبوة معصومون لا يواقع أحد منهم خطيئة ولا يأتي دناءة لا صغيرة ولا كبيرة وقد دللنا عليه وبيّناه وانفصلنا عن الظواهر التي يتشبث بها الجاهلون وخذوا في ذلك أنموذجاً لا يقولن أحدكم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن سائر الرسل إلا ما قال الله لا يزيد من عنده ولا يفسر بما لا يحتمله اللفظ من آدم إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - وإذا قال عن أحد منهم شيئاً من ذلك فلا يقولها إلا قارئاً بالقرآن أو منبهاً لمن أشكل عليه حال من الأحوال فإما أن يضرب بذلك مثلاً أو يجعله لمن عصى عذراً فهو كفر يستتاب قائله فآدم إنما اجتهد في التأويل فلم يصب وجه الدليل وذلك جائز على الأنبياء في كل حال "من الأحوال (٣) " (٤) ونوح غضب على قومه فدعا عليهم (٥) بالهلكة حين يئس منهم وما أحقهم بتلك الدعوة ولكن الذي يقتضيه منصب النبوة احتمال الأذى والصبر على الخلق ولم يكن ذلك إلا لمحمد - صلى الله عليه وسلم - حين كسرت رباعيته وشج في وجهه فاحتمل ذلك وصبر عليه (٦) اقتداء


(١) سورة الكهف آية ١١٠.
(٢) زيادة من ج.
(٣) زيادة من ج.
(٤) قال الإمام فخر الدين الرازي في قوله تعالى: {فنسي ولم نجد له عزماً} قال أما قوله (فنسي) ففيه إثبات أنه نسي وليس فيه أنه ما نسي سلمنا أنه لم يكن ناسياً ولكنه أخطأ في الاجتهاد وذلك لأن كلمة (هذه) في قوله {ولا تقربا هذه الشجرة} قد يراد بها الإشارة إلى النوع كما في قوله عليه الصلاة والسلام: (هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به) فآدم عليه السلام اشتبه الأمر عليه فظن أن المراد هو الشخص فعدل عنه إلى شخص آخر إلا أن المجتهد إذا أخطأ في الفروع لم يكن صاحب كبيرة. عصمة الأنبياء للرازي ص٢٧ وانظر تفسير القرطبي ١١/ ٢٥١.
(٥) وذلك في قوله تعالى: {رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا} سورة نوح آية ٢٦.
(٦) هذا حديث متفق عليه من حديث سهل بن سعد فقد أخرجه البخاري فى المغازي باب ما أصاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من الجراح يوم أحد ٥/ ١٣٠ فقد ذكر أبو حازم أنه سمع سهل بن سعد وهو يسأل عن جرح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال أما والله إني لأعرف من كان يغسل جرح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن كان يسكب الماء وبما دُووي قال كانت فاطمة عليها السلام بنت رسول - صلى الله عليه وسلم - تغسله وعلي يسكب الماء بالمجن فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة أخذت قطعة من حصير فأحرقتها وألصقتها فاستمسك الدم وكسرت رباعيته يومئذ وجرح وجهه وكسرت البيضة على رأسه. البخارى ٥/ ١٣٠، ومسلم في الجهاد والسير باب غزوة أحد (١٧٩٠) ١٠١.

<<  <   >  >>