للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تأصيل: بيَّن مالك، رحمه الله، في هذا الباب، أصلاً من أصول الفقه وهو أن الحكَم إذا تعلَّق باسم له أول واخر تعلق بأوله (١). وقد اختلف العلماء في ذلك اختلافاً كثيراً، وتتعلق به الفروع من كتاب الطهارة إلى أمهات الأولاد (في) آخر الفقه. وللدلوك أول وهو سقوط الشمس عن كبد السماء، وآخر وهو الغروب في رأى العين؛ فكل ذلك من مَثَلٍ أو خبرٍ، أو شعرٍ، أو قرآنٍ يتعلق بهذد الجملة على حد ما يليق به منهما فارقبوه وركبوه.

حديث: قوله، - صلى الله عليه وسلم -: "منْ فاتَتْهُ صلاةُ العَصْر فَكَأَنَّما وَتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ" (٢). أدخل مالك، رضي الله عنه، هذا الحديث في جامع الوقوت بما رأى من تضييع الناس لها خصوصا حتى أخرجوها عن وقتها المختار لها وهو البياض الغالب على الشمس، وقد أدخل فضل. غيرها في موضعه وقدم هذه الصلاة للحاجة إلى تقديمها. وفي البخاري عن بريده "منْ فاتتْهُ صلاةُ العَصْرِ فقد حبط (٣) عَمَلُهُ" معناه ذهب. ففي حديث ابن عمر جعلها قرينة الأهل والمال، وفي حديث بريدة جعلها معادلة العمل، والمعنيان يتشاركان عند التأويل لأن المراد بقوله. "وَتِرَ أَهلهُ وَمَالَهُ" بقي سليباً محرومًا في الدنيا فضربه مثلاً لبقائه كذلك في الآخرة، وكذلك هو يكون إذا حبط عمله. فأحد اللفظين مَثَل والآخر حقيقة، فإن قيل ظاهر ما ذكرتم يقدح في عقيدة أهل السنة وهي أن الكبائر لا تحبط الأعمال فما تأويل هذا؟

قلنا. أما من يقول بأن مخرج الصلاة عن وقتها (٤) كافر وقد كشف الغطاء فيه، ولكنه


(١) قال في نشر البنود: اختلفوا في مقتضى الامر المعلّق على أمر معنى كلي له جزيئات متباينة في القلَّة والكَثرة هل هو الأول، أي الأقل والأخف، أو هو الآخر منهما، أي الأثقل والأكثر والمرجَّح، أي المختار، عند القاضي عبد الوهاب، كما في التنقيح، أن الأمر المعلَّق على اسم يقتضي الاقتصار على أوله، والزائد على ذلك إما مندوب أو ساقط أي غير معتبر. نشر البنود علي مراقي السعود ١/ ١٨٤.
(٢) متفق عليه: البخاري في كتاب المواقيت باب إثم من فاتته صلاة العصر ١/ ١٤٥ ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب التغليظ في تفويت صلاة العصر ١/ ٤٣٥ - والموطأ ١/ ١١، كلهم عن ابن عمر.
(٣) البخاري في المواقيت باب من ترك العصر ١/ ١٤٥.
(٤) قال الذهبي: مؤخر الصلاة عن وقتها صاحب كبيرة وتاركها، أعني الصلاة الواحدة، كمن زنى وسرق لأن ترك كل صلاة أو تفويتها كبيرة، فإن فعل ذلك مرات كان من أهل الكبائر إلا أن يتوب. فإن لازم ترك الصلاة فهو من الأخسرين الأشقياء المجرمين. كتاب الكبائر وتبيين المحارم ص ٥١.
وقال الحافظ: تمسك بظاهر الحديث الحنابلة ومن قال بقولهم من أن تارك الصلاة يكفر. فتح الباري ٢/ ٣٢.

<<  <   >  >>