للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في آخرِ أعماركم زيادةً في أعمالكم) (١) وهذا الحديث وان لم يكن صحيحاً فإن معناه صحيح يصدقه حديث سعد الذي اقتضى بظاهره تعليق حق الورثة بمال المريض وخلص له الثك لحاجاته واستدراكاته، وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة قال: سُئِل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي الصدقة أفضل؟ قال: (إن تصدق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم وقلتَ لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان) (٢)، ومن فاته الاستدراك في محل الاستدراك وهو الثلث فاختلف العلماء هل يلزم الوارث أن يعطَى عنه ما فرطَ فيه أم لا؟ فقال الشافعي كل ما فرط فيهِ من حق مالي، فإنهُ يخرج من رأس المالِ، وهو قولٌ ضعيف, لأنه قد صار بالمرضِ إلى حالةٍ لو أراد أن يعطي فيها جميع ماله لم يجز له إجماعاً فتركه كإخراج ما وجَبَ عليهِ من ذلك تعويل على أن يتمتع به في الدنيا ويفوته ورثته في الأخرى وهذا مقصد لا يجوزه له مسلم يفهم حقيقة الشرع ويتفطن لوجوه المصالح والتكليف، أما إنه يستحب للوارث أن يعطيَ عن موروثه كما فعل سعد عن أمه (٣) وكما فعل ابن التي افلتت نفسها بعد موتها (٤).

الحكم الخامس: إذا ثبت أن المرض يعلق حق الورثةِ بالمالِ ويقبض يد المريض عن التصرفِ فيه، وتحققنا أنَّ حكمة ذلك وعلته الخوف على المريض من المنية في الغالب فإنه قد تنزل بالأصحاء أحوال تتحقق فيهم هذه العلة، فوجب أن يكونَ حكمهم بحكم المريض في حكم قصر تصرفهم على الثلث كالحامل في أخريات أمرها والملجج في البحر


(١) رواه ابن ماجه (٢٧٠٩) والبيهقي في سننه ٦/ ٢٦٩ وهذا البزار في مسنده كما ذكر الزيلعي في نصب الراية ٤/ ٤٠٠ وقال البزار لا نعلم رواه عن عطاء إلا طلحة بن عمرو وهو وإن روى عن جماعة فليس بالقوي والحديث حسنه الشيخ ناصر في صحيح ابن ماجه ٢/ ١١١ وهو من رواية أبي هريرة.
(٢) متفق عليه أخرجه البخاري في الوصايا باب الصدقة عند الموت ٤/ ٥، ومسلم ١٠٣٢ في الزكاة باب بيان أن أفضل الصدقة صدقة الصحيح الصحيح وأبو داود (٢٨٦٥) والنسائي ٦/ ٢٣٧.
(٣) هذا حديث أخرجه البخاري في الوصايا باب إذا قال أرضي أو بستاني صدقة عن أمي فهو جائز ٤/ ٨ - ٩ وأخرجه أبو داود (٢٨٨٢) في الوصايا والترمذي ٦٦٩ في الزكاة والنسائي ٦/ ٢٥٢، ٢٥٣ وصايا كلهم من حديث ابن عباس أن سعد بن عبادة رضي الله عنه توفيت أمه وهو غائب عنها فقال: (يا رسول الله إن أمي نوفيت وأنا غائب عنها أينفعها شيء إن تصدقت به عنها؟ قال: نعم، قال: فإني أشهدك أن حائطي المخراق صدقة عنها).
(٤) متفق عليه أخرجه البخاري في الجنائز باب موت الفجأة ٢/ ١٢٧، ومسلم في الزكاة باب وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه (١٠٠٤) والموطأ ٢/ ٧٦٠ من حديث عائشة رضي الله عنها أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (إن أمي أفلتت نفسها وأظنها لو تكلمت تصدقت فهل لها أجر إن تصدقت عنها قال: نعم).

<<  <   >  >>