وذكر الشيخ راجح إبراهيم أنه صاغ الشعر ولم يتجاوز العاشرة «وكذلك إن بعض أناشيده في هذا السن ارتضاها أساتيذه وجعلوها أناشيد مدرسية لا تزال حتى اليوم تنشد بمدرسة المكنين تذكارا لطيفا لهذا النبوغ».
يقول الشعر ويكتبه في كل مكان، في الموضع الخالي أو المحل العمومي، ويكتبه في كل وقت لا فرق عنده بين الصباح والمساء. وإذا استعصت عليه قريحته في بعض الأحيان فيكفيه لإخضاعها أن يبدل قلمه أو كرسيه وأن يقوم ويخطو بعض الخطوات ويعود إلى مكانه.
ولم يتجاوز مرحلة التعليم الابتدائي ولكنه كان شغوفا بالمطالعة يطالع الجرائد التونسية والشرقية التي تصله أو تصل إلى ثلة من أعيان بلدته المثقفين. وفيها قرأ أشعار صبري، وشوقي وحافظ، وخليل مطران، والرصافي، وعريضة، وشكيب أرسلان، والخوري، والزركلي، والكاظمي، والشبيبي وغيرهم من شعراء وأدباء الإصلاح في الشرق العربي وفي تونس. وهذه المطالعات ألهمت قريحته فكتب العديد من المقالات ونظم ديوانه «الزهرات» ولعل مطالعته لم تتجاوز الجرائد ولم يكرع من مناهل الأدب العربي، ولذلك كانت لغته يشوبها الضعف.
وله قصيدة بعنوان:«أيها الشعراء إلى نهضة الشعب قبل مماته» انتقد فيها القوالب الجامدة في التعبير والأغراض التقليدية من مدح ورثاء وغزل.
وهو أديب ثائر مجدد، قال الأستاذ أحمد خالد عنه: من مظاهر نزعته الثورية الأدبيّة أنه من القائلين بحل قيود الشعر وإدخال أوزان جديدة عليه. وهو أول شاعر تونسي تجاسر ونظّم من الأوزان الجديدة التي ابتكرها شعراء المهجر ومن الأوزان التي ابتكرها لنفسه وأصبح له فضل ابتداعها عند محبذي طريقته، غير مبال بالانتقاد الذي كان يوجهه إليه أناس كثيرون في بادئ الأمر، ولكن ما لبث أن اقتدى به بعض الشعراء العصريين وأصبحنا نرى من حين لآخر على صفحات جرائدنا من الشعر الجديد.
وسعيد لم يكن من أسرة ثرية، ولعل هذا مما عاقه عن مواصلة تعلمه الثانوي بسوسة أو بتونس وخرج من بلدته يبحث عن لقمة العيش فعمل كاتبا بمكتب الشيخ راجح إبراهيم الوكيل (١)(بمثابة المحامي الآن) بسوسة وكان أحد أعلام الحركة الإصلاحية في مطلع هذا القرن بتونس ومنتميا إلى الحزب الدستوري القديم وكان مكتبه منتدى يلتقي فيه الأدباء والمثقفون
(١) الشيخ راجح إبراهيم كان وكيلا فقط لا وكيلا شرعيا كما وهم الأستاذان أحمد خالد والحبيب الشاوش والوكيل من كان حاملا لشهادة الحقوق التونسية ويرافع في المحاكم الشرعية والمحاكم العدلية (المدنية) التونسية ولا يرافع في المحاكم الفرنسية بخلاف من يحمل لقب محام وهو الحامل لشهادة الإجازة في الحقوق من الجامعات الفرنسية والجامعة الجزائرية، والوكيل الشرعي لا يشترط فيه إلا إحسان القراءة والكتابة ولا يرافع إلا في المحاكم الشرعية، وإن كان في بداية إحداث هذه الخطة يرافع حتى في المحاكم العدلية ولما تكاثر عدد الحاملين لشهادة الحقوق التونسية ونظمت مهنة الوكالة ألزموا بالاقتصار على المرافعة في المحاكم الشرعية، وبعد الاستقلال وتوحيد القضاء الحق الوكلاء بسلك المحامين وانحلت الوكالة الشرعية.