والمشتغلون بالسياسة والمهتمون بالإصلاح والصحفيون بالساحل ليستعرضوا ألوانا من الأدب ويخوضوا في شتى المواضيع التي كانت تشغل بال المثقفين الأيقاظ زمنئذ.
وهذا الاحتكاك الأول بالشيخ راجح إبراهيم وجماعته مكّن المترجم له من اكتساب ثقافة وخبرة بالأمور السياسية والاجتماعية ووجّهه إلى الأدب الاجتماعي والإصلاحي والسياسي وآنذاك بدأ ينشر قصائده السياسية والاجتماعية في جريدة «صدى الساحل» للحاج إسماعيل ابن حميدة منذ سنة ١٩٢١ ثم راسل الصحف التونسية الصادرة بالعاصمة «كالنديم» و «الصواب» و «الوزير» و «النهضة» و «لسان العشب» و «مرشد الأمة» وهذه الجرائد كلها وطنية تنطق بلسان الحزب الدستوري القديم، عدا جريدة «النهضة» التي كانت لسان حال «الحزب الإصلاحي» وربما يكون سعيد يتلقى التوجيه المباشر من الشيخ راجح إبراهيم، فالصحف الشرقية والمجلات تصل مكتبه ولكثرتها كان يستعين بكتّابه لقراءتها له.
وهو لا يغفل عن توجيه القارئ وإرشاده إذا أخطأ في القراءة. فقد عرفت رجلا من أكودة (بلدة الشيخ راجح إبراهيم) عمل في مكتبه، وكان يقرأ له الصحف والمجلات، وكان يصوّب له أخطاءه عند القراءة حتى استقام لسانه وأصبح لا يخطئ وإذا سئل لماذا قرأ هكذا؟ قال: بالسليقة، وأنا لا أحسن النحو، وكان ينظم المقطوعات الشعرية الجيدة، وأصل تعليم هذا الرجل في الكتّاب. وإذا كان هكذا فبالأحرى أن يستفيد منه سعيد استفادة أوسع.
ثم انتقل إلى تونس العاصمة واستقر بها إلى أن توفي في ٢٩ جانفي سنة ١٩٤٨ وعمل في مكاتب المحامين، ولم ينقطع عن قرض الشعر والعمل في الحقل الصحافي والحزبي.
وكان ينشر قصائد ذات طابع اجتماعي وسياسي بعنوان «زهرة بعد زهرة» في جريدة «النديم» لصاحبها الأديب الشاعر حسين الجزيري حتى إذا تجمع له منها عدد وافر نشرها في كتيّب عنوانه «الزهرات» وذلك بعد جفوة حصلت بينه وبين صاحب النديم بعد أن كانا صديقين حميمين وانقطع عن الكتابة في جريدة «النديم».
وأصدر مجلة «العالم» بعد أن تسوغ امتيازها من السيد محمد فخري أستاذ الخط بالمدرسة الخلدونية، وفسخ الامتياز بعد سنة ونصف قبل انتهاء المدة المتفق عليها لخلاف بينه وبين سعيد، ونشر المترجم له طرفا من الخصومة في المجلة.
وفي سنة ١٩٣٧ أصدر مجلة شهرية بعنوان «تونس المصورة» واحتجبت عن الظهور بعد شهر نوفمبر ١٩٤٣ بسبب دخول الجيوش الألمانية إلى البلاد واستأنفت الصدور خلال سنة ١٩٤٥ بعد جلاء هاته الجيوش.