عليه، وكانت في جيبي أربعون درهما لم يبق معي سواها فدفعتها إلى الخادم، وقلت له: ارفع مائدتك! ففعل وعرف مولاه، فبلغني أنه قال:
حرّ والذي لا إله إلاّ هو، ثم قال الخادم أدخل: فدخلت عليه وهو على السرير، ومعلم على آخر وسرير ثالث فأمرني بالجلوس عليه فجلست، وجعل يسائلني وأجيبه، فلما قرب انصرافي كتب رقعة وختمها ودفعها إلي وقال: قف بهذا إلى صاحب الديوان، وتعود إليّ، فأخذت الرقعة، ولقيت محمد من الغد فسألني فأعلمته فقال لي: أوصل الساعة الرقعة، ففعلت فدفع إليّ صاحب الديوان عشرة آلاف درهم، فأعلمت محمد بن الحسن، فقال لي: إن عدت إلى القوم صرت لهم خادما وفيما أخذت عون لك. ورغب إليّ محمد أن أزامله إلى مكة، فكأني كرهت هذا، فقال لي أصحابه، وددنا لو اشترينا هذا منه بعشرة آلاف درهم فزاملته وكنت أسأله عما أريده وربما سألته وهو في الصلاة فيمهد بالقراءة يعلمني أنه يصلي فأقول: تشتغل عني بالصلاة وقد قطعت البلاد إليك، فيقطع ويجيبني.
فخرج من العراق إلى مصر فوجد فيها أصحاب مالك المصريين: ابن وهب، وابن القاسم، وأشهب، وابن عبد الحكم، فأراد أن يخدم الفقه المالكي معهم خدمة جديدة، وذلك أن يأخذ المنهج العراقي في تفصيل المسائل وتأصيلها ويدرج عليه من مسائل الاحكام على مذهب مالك، فيكون بذلك قد أدخل المذهب المالكي في دور جديد من التدوين المؤصل المرتب
ولم يجد أسد من يسايره في هذا الصنيع من المصريين إلاّ عبد الرحمن بن القاسم العتقي أكبر أصحاب مالك وأتمهم قياما على أقواله، فدوّن أسد أسئلته لابن القاسم ومباحثاته معه وأجوبة ابن القاسم أحيانا بقول مالك، وأحيانا بما رأى ابن القاسم من خلافه، وأخرج ذلك كتابا كاملا جامعا قد دوّن فيه المذهب المالكي لأول مرة تدوينا وافيا هو