ثم بكى حتى أبكى الناس، وقال: أنا الهشيم ثلاثا، والله لو أن في الدنيا خضراء ما دعيت أنا.
وكان يفضل كتاب ابن المواز في الفقه على سائر الأمهات، وقال: إن صاحبه قصد بناء فروع أصحاب المذهب على أصولهم، وغيره إنما قصد لجمع الروايات، ونقل مقصود السماعات - كذا نقله القاضي عياض. وبالعكس كان يؤاخذ العالم المصري أبا إسحاق محمد بن القاسم بن شعبان القرطي (بضم القاف وكسر الطاء بعدها ياء النسبة، ت ٣٥٥/ ٩٦٥) بأن كتبه فيها غرائب من قول مالك وأقوال شاذة عن قوم لم يشتهروا بصحبته ليست مما رواه ثقات أصحابه واستقر من مذهبه، كذا ذكره القاضي عياض، وأورد له الوشريسي في «المعيار» مجموعة من فتاويه وكذلك البرزلي.
ومن مواقفه في تغيير المنكر والذب عن دين الله بصفته شيخ فقهاء القيروان يبدو بوضوح في قضية ابن أخي حاضنة باديس، فقد كان بالمهدية نصراني ابن أخ لحاضنة باديس بن المنصور الصنهاجي، افتض هذا النصراني صبية شريفة، فلما سمعت بذلك العامة رجعوا إليه فقتلوه، وبلغ ذلك باديس فعظم ذلك عليه وأرسل قائدا بعسكر إلى المهدية، وقال لهم: اقتلوا من هو قدّ السيف إلى فوق وبلغ ذلك القابسي، فدخل المحراب، وأقبل على الدعاء، فلما وصل القائد إلى قصر مسور قرب المهدية بات فيه، فقام بالليل وهو سكران يمشي على السطح فمشى في الهواء وسقط على رأسه وانتثر دماغه، وجاءت البرد إلى باديس بذلك، وأعلم بدعاء الشيخ أبي الحسن، فرعب لذلك وقال لأبي العرب وكبار رجاله تمشون إلى الشيخ، فلما ضربوا عليه بابه وأعلم بهم قال: تمضون للجوامع حتى يأتيكم العلماء، ولم يدخلهم داره، ووجه إلى أصحابه أبي بكر بن عبد الرحمن، والخواص، وابن