يستمع إلى ما يدور في مجالس العائلة ويتأثر بها مما يدل على ذكاء وقّاد وسرعة تقبل وانفعال.
وفي أول سنة ١٩٠٩ انتقل من الكتاب إلى المدرسة القرآنية الأهلية التي يديرها الشيخ محمد صفر، وبعد سنتين أصبح أستاذا له السيد الشاذلي المورالي، وكانت له ميول سياسية وطنية وإسلامية وكان له نعم الأستاذ، ومن أساتذته الشيخ الشاذلي الجزيري، وفي أوقات الفراغ يلتف حوله التلاميذ كما كان شأنه في الكتاب يروي لهم ما اختزنته ذاكرته من أحاديث أبيه وجده للأم وخاله، ويستفز هممهم للعمل والثورة في كل الميادين وتقويم الأخلاق، والسعي لجمع كلمة المسلمين، ومقاومة المطامع الأوروبية التي كانت تكتنف ديار الإسلام من كل جانب.
والتزم هو والمحيطون به أن يشتري كل واحد منهم صحيفة معينة من صحف تونس أو من صحف ومجلات مصر وإستانبول ثم يقع تداولها بينهم.
في سنة ١٩١١ عند ما هاجمت إيطاليا ليبيا جمع حوله بعض المتحمسين من أبناء المدرسة فكان يطوف الأسواق ومختلف الحارات يحرّض على الجهاد، ويتوجه بالقارص من القول إلى رواد المقاهي العربية معيرا إياهم بأنهم أصبحوا من القواعد بينما غيرهم يموت في سبيل الله وفي سبيل الوطن وكان مع أصحابه يجمع النقود القليلة للهلال الأحمر العثماني.
وكان يحفظ عن ظهر قلب كل القصائد المثيرة المنشورة في الصحف الشرقية وخاصة أشعار الرصافي فكان يرتاد الأسواق والمقاهي العربية ويقول لهم: اسمعوا ما يقوله الرصافي الشاعر العظيم عن جهاد المسلمين في طرابلس، فتتجه إليه الأبصار، ويشتد به الحماس وهو يلقي القصيدة وتحمر أحداقه ويتهدج صوته ويزداد ارتفاعا وهو يرى الناس يتأثرون ويبكون أحيانا وهم يستعيدون القصيد.