وفي معركة الزلاج ٧ نوفمبر ١٩١١ كان من بين الذين يطوفون بالأسواق والمقاهي وينادي بأعلى صوته نموت ولا نسلم زلاجنا.
وفي سنة ١٩١٣ انتهت دراسته بالمدرسة القرآنية وخرج منها ملمّا بمبادئ اللغة الفرنسية وكان خلال السنتين الأخيرتين خطيب المدرسة وكاتبها المبرز، فأثناء الحفل الشهري الذي توزع فيه الإجازات على المتفوقين كان أستاذه الشاذلي المورالي يأخذ بيده ويقوده إلى فوارة رخامية تتوسط البهو الأكبر، فيصعد فوق حافتها ويقول له بلهجة الوالد الآمر حدّثهم عن موضوع كذا، وكان - مهما كان الموضوع - يتدرج إلى الحديث عن حالة الوطن وحالة المسلمين، والواجب عن الدين والوطن اليوم وغدا. أما المواضيع الإنشائية التي كان يكتبها ويطيل النفس فيها ويحررها بقلم حار ويضمنها آراءه وأفكاره عن حالة الوطن وحالة الإسلام والواجبات نحوهما، فقد كانت بأمر من المدير الشيخ محمد صفر تنسخ وتعلق عند باب كل قسم، ويقبل الطلبة على قراءتها.
وقد اتضح مما سبق أن لوسطه العائلي تأثيرا كبيرا على ميوله واتجاهاته السياسية، وللمدرسة القرآنية دورها في إعداده للخطابة والكتابة.
بعد مبارحة المدرسة القرآنية دخل جامع الزيتونة، وكان يتابع الدروس بصفة حرة لا يشارك في امتحانات آخر السنة لأنه لم يكن له رغبة في تقلّد الوظيف، واختار لنفسه دروسا على جماعة من الأساتذة كالشيخ محمد النخلي في التفسير، والشيخ محمد بن يوسف في البلاغة، والشيخ محمد الصادق النيفر في الفقه، والشيخ محمد بن القاضي في النحو والصرف، والشيخ محمد بن شعبان في المنطق والشيخ معاوية التميمي في آداب اللغة العربية، وكان يلازم الدروس عشر ساعات كل يوم دون انقطاع تبتدئ بعد أداء صلاة الصبح وتنتهي بعد أداء صلاة العشاء مع ما يتخلل ذلك من حفظ مختلف المتون، كما دخل المدرسة