فقال له: إذا أردت الرجوع لتونس سريعا فلا تفكر في حزب ولا تتكلم عن ملية، ودع عنك الأوهام والخرافات، تستطيع أن تعيش بقلمك في الصحافة، وتستطيع أن تتخصص في التأليف، وقد مارسته مشكورا ونجحت فيه، إنما تذكر قول النبي محمد صلّى الله عليه وسلم لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين، فدع عنك هذا الجحر السياسي الذي لدغت فيه، وفكر في والدك الشيخ، وأمك العجوز، وإخوتك الصغار، إنهم جميعا في حاجة إليك، وإن الوطن الصغير قبل الوطن الكبير، ومن يدري بما تأتي به الأيام، ولا تزال شابا، ولك علم وثقافة، وتتمتع بمركز ملحوظ في وطنك، فطلق - ولو مؤقتا - خرافة الحزب وهوس الدستور، وكلنا يعينك على تكوين مركز ممتاز بعيدا عن ذلك. ورفض في لطف هذا العرض وهذه المساومة.
وفي مساء ذلك اليوم امتطى القطار راجعا إلى تونس، وشيعه مجاملا، وأدرك من محاورته مع مصطفى صفر أن الجزائر الرسمية تحاول أن تتخلص منه بالتي هي أحسن، وأن تونس الرسمية تحاول أن يرجع إليها تائبا.
ولم ينسه إخوانه في الحزب بتونس، فقد زاره يوم ٥ جوان ١٩٢٦ السادة، صالح فرحات الأمين العام الثاني للجنة التنفيذية، ومحي الدين القليبي، ومحمد الصالح ختاش، والشاذلي خير الله، وبعد ثلاثة أيام من وصولهم قفى على أثرهم الشيخ راجح إبراهيم.
وكان متين الاتصال بتونس عن طريق أعضاء اللجنة التنفيذية ورجال الشعب المختلفة، وكان يتصل بمعدل ٧٥٠ رسالة شهرية في أوائل الأمر من كل الجهات، وكان يجيب على الكثير منها، أما اللجنة التنفيذية فكان معها على اتصال يكاد يكون يوميا بواسطة السيد محي الدين القليبي.