الستار عن الفصل الأول فسكت الناس حتى إذا نزل الستار عادوا إليه بصفة أشد وطأة وأكثر حماسا فما وسعه إلاّ الانسحاب عند ما رفع الستار عن الفصل الثاني، ولبث ينتظر رد فعل الإدارة الفرنسية، وعلى الساعة الرابعة من مساء الغد جاءه عون سري يحمل إليه أمرا إجباريا بمغادرة تونس صبيحة اليوم الموالي إلى الجزائر قبل إتمام النصف شهر المسموح به بيومين، وجاء في ذلك الأمر أن هذا الإبعاد الجديد وقع من أجل مظاهرات المسرح البلدي أثناء رواية مثلت «من أجله خاصة».
وباشر عمله التجاري نحو سنتين وتبين له أنه لا يصلح للتجارة، فباع متجره وأرجع رأس المال لصاحبيه مع منابهما من الأرباح. وبعد انسحابه من التجارة أسس نادي الترقي، وتولدت عنه حركات بناءة صحيحة كانت للجزائر بعثا، وكانت للقومية الجزائرية نشورا، وألقيت بالنادي محاضرات عديدة وانبثقت عنه مشاريع اجتماعية عديدة، وبرامج عمل لمقاومة سياسة التجنيس والاندماج ومساعدة الكفاح الفلسطيني، ومن أهم هذه المشاريع تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي كانت ركنا متينا في بناء القومية الجزائرية.
وقد قام برحلات في شرق الجزائر وغربها وجنوبها.
وما كاد ينتهي من تصفية حساب المستودع التونسي حتى اقترح عليه السيد عمر الموهوب من ذوي قرابته أن يتولى الإشراف على مكتب له يتولى إدارة أملاكه الخاصة مقابل جعل شهري يفوق ما كان يتناوله من «المستودع التونسي» وقد قبل العرض بارتياح.
وفي اليوم الثاني من أفريل ١٩٢٨ استقرّ به المقام في مكتب فسيح ذي غرفتين اتخذ من الأولى مكتبا للأعمال، واتخذ من الثانية مكتبا خاصا به وضع به مكتبته، ورتب فيه أوراقه، وأخذ يستقبل فيه أصدقاءه وكل من أراد أن يزوره، ولبث مقيما بهذا المكتب مدة ٢٨ سنة، ولم