كما اسندت إليه إدارة تأسيس المكتبة الصادقية (العبدلية) الزيتونية المؤسسة حديثا.
وفي سنة ١٢٩٤/ ١٨٧٧ عزم على التخلي عن وظائفه أسوة بأصدقائه جماعة الإصلاح الذين اضطروا لمغادرة مراكز السلطة، على أن تدخل الباي الزمه الاحتفاظ بوظائفه لكن المعرض العالمي المنعقد في باريس سنة ١٨٧٨ هيأ له مبررا لمغادرة البلاد فزار باريس ولندرة ثم الجزائر وسمحت له هذه الرحلة باثراء ملاحظة لإكمال تحرير الأجزاء الباقية من مؤلفه «صفوة الاعتبار».
وعند ما رجع إلى تونس أصبح عضوا في اللجنة التي كلفت بتنظيم مستشفى العاصمة التونسية - الذي دشّنه الأمير محمد الصادق باي رسميا في ١٠ فيفري ١٨٩٤، وأصبح يعرف بالمستشفى الصارقيّ، على غرار المؤسسات الصحية العصرية الأوروبية، لكن الذين لا يروق لهم الإصلاح ولا تفكير الإصلاحيين كالقنصل الفرنسي روسطان فكان رد الفعل عنيفا والتهجم قاسيا، وكان المترجم له على صلة ببعض أفراد من السفارة الإيطالية بتونس ممن ينشر الدعاية ضد السياسة الفرنسية، وبلغت المعركة الدعائية بين السياسة الفرنسية والإيطالية حدا مضطرما ملتهبا، ففرنسا تهيئ الوسائل والحجج لتبرير الاحتلال، وإيطاليا تشهر بمطامع فرنسا وتحاول حشد الرأي العام ضدها سواء في الداخل أو في الخارج وهي لم تكن بريئة في هذه الحملة، وإنها هي تسعى جاهدة لتحل محل فرنسا وتحتل البلاد فيما بعد، ولا ندري كيف غاب هذا عن ذهن المترجم له حتى اغتر بالدعايات الإيطالية وسار في طريق يثير العواصف الهوجاء من النقد والتهجم والاتهام.
وكان الوزير مصطفى بن إسماعيل خلف خير الدين في رئاسة الحكومة يضيق بآرائه الإصلاحية ثم أنه يرى أنه لا يصفو له الجو إلاّ إذا أقصى جماعة الإصلاح عن مباشرة أية مهمة سامية في الحكومة والمترجم له لا يتحمل الضغط على حريته والسكوت على آرائه لذلك عزم على مبارحة تونس وقرر أن يطلب أولا من الباي الاذن في السفر لاداء فريضة الحج، ولم يتحصل على هذا الاذن إلاّ بعد تداخلات عديدة من أصدقائه العلماء، وتحصل على هذا الاذن وبارح تونس سنة ١٢٩٦/ ١٨٧٩ ومر بمصر في طريقه إلى الحرمين الشريفين وبعدهما زار سوريا، ثم سافر إلى إستانبول حيث كان في انتظاره صديقة الصدر الأعظم خير الدين، وأحسنت الدولة وفادته وعزم أن يقيم بها نهائيا، لكن الوزير مصطفى بن إسماعيل كتب إلى الباب العالي وطالب بإرجاع المترجم له، واتهمه باختلاس أموال جمعية الأوقاف وجرده من عناوينه الجامعية لكن خير الدين انتصر له ولم يخذله ولم يسلمه.
وفي انتظار وصول أسرته إلى إستانبول قام برحلة إلى فيينا وبودابست وبلغراد. وعند رجوعه إلى إستانبول حيكت ضده دسائس لإزالة مكانته عند السلطان فقد اتهم بالمشاركة في ثورة عرابي عند مروره بمصر، واضطر لأجل تجنب الخصومات وإنجاز الجزء الثاني من تأليفه «صفوة الاعتبار» إلى مغادرة إستانبول وتوجه إلى مصر، وفي القاهرة احتفل بقدومه احتفالا حارا الخديوي والعلماء.