سأل بعض الطلبة الحاضرين عن إمام أحدث وهو راكع فرفع رأسه ليستخلف لهم، فلم يحضر القاضي ولا جميعهم جوابا، فقال المترجم في بطلانها قولان قال ابن الحاجب فإن رفعوا مقتدين لم تبطل على الأصحّ كالرفع قبل إمامه غلطا، فقالوا ما قيل هذا فلعلّه ليست المسألة فجلب لهم ذلك ناجزا، وكان عمه - رحمه الله - حاضرا لذلك، وكان المترجم إذ ذاك ابن خمس عشرة سنة، وله في الميعاد سنة وزيادة أشهر، وكان حفظ في ذلك جملة من مختصر ابن الحاجب حتى جاوز الضحايا.
فلما خرج من الميعاد ناداه عمه فدخل معه داره وكانت مجاورة للمسجد الذي فيه الميعاد المذكور، وهو مسجد الدباغ فقبّل رأسه وقال ثبت عندي قول القاضي أبي عبد الله محمد الفاسي إن عاش ابن أخيك يكون منه مالك الصغير (٦). وسكن المترجم الزاوية العوانية بالقيروان، وكان في أول عهده فقيرا جدا، وقد حكى في شرحه الكبير للمدونة عن شدة فقره واشترائه الكسور (قراقش الخبز الجاف) من سائل بالدين، وقد بلغ مقدار ما بذمّته لذلك السائل ما يزيد على الدينار، وشكر الله على ما أنعم به بعد ذلك، ثم سكن بعد بدار أمام مسجد التلالسي، ولما ظهرت عليه مخايل النجابة وحسن السلوك ولي الإمامة والخطابة بجامع الزيتونة بالقيروان وله واحدة وعشرون سنة بتقديم شيخه البرزلي.
وسبب رحلته إلى تونس لطلب العلم الحاج الشيخ عبيد الغرياني عليه في ذلك فقد حكى أن الشيخ عبيد الغرياني اجتاز عليه وهو جالس على دكانة دار سكناه فقام إليه وقبّل يده ومشى معه فقال له امش لتونس تعلّم العلم بها فلم يقبل كلامه لأن في الغالب إنما