يحذره قبل وصول رجال السلطة فلبس إحرام امرأة ونعلها وخرج مع نسوان الشيخ أبي عبد الله السيالة مستخفيا مهاجرا بدينه فذهب في خفاء مع خديمه ابن الأكحل إلى أن وصل لزاوية الشيخ أبي حجبة بين تونس وزغوان، ولما دخل رجال السلطان نهبوا أتباعه وسجنوهم، وسلّم الله الشيخ فأقام زمانا مشتغلا بالعلم، فلما ظهر خبره اعتقده أهل الخبر، وعرّفوا السلطان أنه من الصالحين، ولم يكن قصده في بلده إلا الذبّ على المسلمين بالعلم والجهاد على سنّة المصطفى - صلّى الله عليه وسلم -، فلما تحقّق السلطان الأمر علم أن الساعي كان حاسدا، وعفا عن الشيخ بالرجوع لوطنه، وإظهار السنّة، وقمع البدعة، وإن عارضه معارض كاتب السلطان بذلك (نزهة الأنظار ٢/ ١٦٤ - ١٦٥).
ومما يلفت النظر أن التنكيل بأتباعه ومحاولة القبض عليه لولا فراره متنكرا كل ذلك قد تم بمجرد وشاية الاتهام بمحاولة قلب نظام الحكم بدون تثبّت أو تحقيق من صحة التهمة، مما يدل على انعدام أبسط أسس العدالة، وعدم رعاية أوليات حقوق الإنسان في ذلك العصر الكثيف الظلمات، هذا زيادة عن كون المترجم بعيدا عن خوض غمار السياسة وحبك المؤامرات ضد السلطة القائمة بحكم تكوينه العلمي، ولشدة اتّباعه للسنّة إذ المعروف عند أهل السنّة أنهم لا يرون الثورة على الحكام لظلمهم، وعندهم أن السلطان الجائر خير من فتنة الثورة، ومن أمثالهم «سلطان غشوم خير من فتنة تدوم».
وبعد حياة حافلة بجليل الأعمال ونافعها توفي المترجم يوم الجمعة ثاني عشر ربيع الأول سنة ١١١٨، ٢٥ جوان ١٧٠٦، وسنة تاريخ الوفاة ذكرها حسين خوجة في «ذيل بشائر أهل الإيمان» وغيره وهو التاريخ المنقوش على قبره، وما ذكره الشيخ مقديش في «نزهة الأنظار» أنه توفي سنة سبع عشرة ومائة وألف غير صحيح.