وما من مرة فتح له باب السجن إلا وعاود الكرّة على المستعمر عنيفة ومريرة متمسكا بما كان يدعو له ويؤمن به من المبادئ الوطنية، وذلك رغم ما كان يشكوه من علل مزمنة ووهن جسمي، والمرض الذي كان يهدد كيانه ويبلغ به أوج الآلام.
ولا شك أن الاستعمار كان يدرك كل الإدراك مواطن ضعف هذا المناضل العنيد، ومن ثمة تجده يتفنّن في إرهاقه ويمعن في تعذيبه، وإجباره على قبول الموت البطيء أو اللجوء إلى أهون السبل وأحطّها وهي قبول الاستسلام والرضوخ.
وبالمقابل كان يعرف خطط خصمه، وكان على استعداد دائم لقبول هذا التحدّي بروح عالية شجاعة ويعطي المثل الرائع على الصبر والصمود والتفنن وحبك الخطط المضادة.
وفي الوقت الذي كانت السلطات الاستعمارية تعلم علم اليقين ما يتعرض له جسمه من التعذيب والتعب كان يتحمل ذلك بصبر وثبات واستمرار على النضال.
وآخر السجون التي دخلها هو أكبر سجون الجزائر (الميزون كاري) وقد فرّ منه وقطع المسافة الفاصلة بين تونس والجزائر وهي ألفان من الكيلومترات مشيا على الأقدام في وقت سقطت فيه الواجهة الفرنسية، وهو يرى أن سقوط هذه الواجهة يجب أن يكون فرصة للعمل ضد الظلم والاضطهاد، ونالته من هذه الرحلة الطويلة المضنية أتعاب جسام واشتداد وطأة المرض عليه، وأحسّ بدنوّ أجله فبادر بالالتفاف في برنسه وقصد (مطبعة العرب) لصاحبها زين العابدين السنوسي الذي كان على صلة وثيقة به منذ قدّمه إليه أستاذه الشاذلي خزندار في سنة ١٩٢٦، وسلّمه ما جمعه من شعر في ديوانه وحسنا فعل في تسليمه ديوانه للسيد زين العابدين السنوسي فإنه لبث محتفظا