وحافظته القوية اللاقطة، وتروى عنه في هذا الصدد غرائب، منها أنه كان يذهب كل يوم من تونس إلى باردو ليطلع على قاموس الفيروزابادي ببيت الباشا بقصر باردو، وفي رواية بقصر الوزير مصطفى آغا حتى كاد يستظهره، وهذا الرصيد اللغوي صاحبه إلى آخر حياته، وأضاف إلى هذا عنايته برواية الشعر، واشتهر وهو ما يزال طالبا بجسارته على مناقشة الشيوخ ومراجعتهم بما يدل على سداد تفكير وقوة حجة وبراعة نقد وتمكن من الموضوع، فذاع صيته في الوسط العلمي بالنبوغ والمكانة العلمية السامية كل هذا كان داعيا لعناية الشيخ محمد بيرم الرابع به فاستدعاه إلى منزله، وصار له جليسا صفيا يتذاكر معه في الأدب، ويساجله الشعر، وفتح له أبواب مكتبته الثرية النفيسة.
وبعد تخرجه درّس متطوعا، ثم اجتاز بنجاح مناظرة التدريس من الطبقة الثانية سنة ١٢٧٥/ ١٨٥٩ ثم الطبقة الأولى سنة ١٢٨١/ ١٨٦٤ فكانت مدة تدريسه أكثر من ستين سنة فأخذت عنه أجيال متعاقبة من مشاهيرهم أحمد بيرم شيخ الإسلام الحنفي، والقاضي الحنفي إسماعيل الصفائحي دفين استانبول، وحسين بن أحمد القمار، والشاذلي بن القاضي، ومحمد بيرم الخامس، ومحمد جعيط، ومحمد بن الخوجة، وعبد العزيز الثعالبي، ومحمد السنوسي صاحب التآليف العديدة، والإمام المعمر فخر علماء تونس محمد الطاهر بن عاشور، ومحمد العزيز جعيط، ومحمد القصار، ومحمد مخلوف مؤلف «شجرة النور الزكية» ومحمد النجار، ومحمد بن يوسف شيخ الإسلام الحنفي، وغيرهم كثيرون مما يطول تعداده ويضيق عنه الحصر.
وتدخل شيخه محمود قابادو لتوليته مشيخة المدرسة المرجانية، وانتخبه شيخه شيخ الإسلام محمد بيرم الرابع لكتابة المجلس البلدي عند تأسيسه سنة ١٢٧٥/ ١٨٥٩ وفيه تعرف برئيس المجلس الجنرال حسين الذي اقترحه على خير الدين ليكون محررا لتقارير اللجنة الادارية المشتركة الخاصة بمراقبة المالية التونسية سنة ١٢٧٦/ ١٨٦٠ وتمت علاقات الصداقة والمودة بينه وبين هذين الرجلين، وأصبحا يكنان له تقديرا واعجابا وهو يبادلهما مثل ذلك في اخلاص ووفاء، لا عن تزلف وتملق المرءوس برئيسه، ومثل هذه الصلات