بالمرموقين من رجال الدولة فتحت له باب الاشتراك في العمل السياسي والاداري فانتخب عضوا في المجلس الأكبر سنة ١٢٧٧/ ١٨٦١ وسافر سنة ١٢٨٨/ ١٨٧٢ إلى استانبول ضمن البعثة السياسية برئاسة خير الدين لتمتين العلائق وتنظيمها بين تونس والدولة العثمانية، وكان هو المتولي للمفاوضات في تنظيم العلاقات من الناحية الدينية مع شيخ الإسلام.
وسافر إلى إيطاليا التي أقام بها ست سنوات مع صديقه الوزير الجنرال حسين للخصام مع ورثة قابض مالية الدولة التونسية اليهودي اللص نسيّم شمّامة، وهناك أجاد اللغة الايطالية ويروى عنه أنه كثيرا ما يقول كلمة قراتسي الايطالية (أحسنت) في دروسه، ومنها سافر إلى باريس بمناسبة انعقاد المعرض العالمي بها، وهذه الرحلات وسعت أفق تفكيره، وجعلته عارفا بزمانه وبمقومات الحضارة الغربية وتخلف العالم الإسلامي في ركود مما دعاه إلى الإصلاح والدعوة إلى إدخال النظم والآراء التي لا يعارضها الإسلام.
وفتح بدروسه آفاقا جديدة، فكان معرضا عن المناقشات اللفظية العقيمة، مستقل الفكرة في بحثه، ولوعا بمناقشة الآراء وابتكار الأنظار، وله قوة التحليل وبراعة النقد والاحتجاج، فكانت دروسه رياضا مونقة يقبل عليها المستفيدون بنهم ولذة عقلية، وكان من أول الناعين على متأخري الفقهاء التمسك بظواهر النصوص، وإهمال تحقيق المناط، ومن الداعين إلى تحقيق النظر لإبراز مقاصد الشريعة وتطبيقها على الأحوال الحاضرة، وداعيا إلى إصلاح التعليم الديني لتخريج الاكفاء للقيام بهاته المهمة، فلذلك أبدى تحمّسا وانحيازا لإدخال العلوم الرياضية والطبيعية في برنامج التعليم بجامع الزيتونة، ولهذه الغاية أيد تأسيس الجمعية الخلدونية وبهذا يتبين أنه كان في طليعة المصلحين الإسلاميين، وفي زورتي الشيخ محمد عبده إلى تونس كان من المؤيدين له وأعجب كلّ منهما بصحابه، واستحكمت بينهما صلات التعاون في العمل إلى آخر حياته.
ولم يقتصر على نشر مبادئه الإصلاحية بواسطة الدروس فقط بل