في ذلك في قضية الشيخ عبد الرازق وكتابه «الإسلام وأصول الحكم» فلماذا لا يقتدون به؟ وما معنى منعه من اجتياز امتحان شهادة الحقوق؟ أليس هو عين الظلم المتطرف؟ وهل المحاكم العدلية هي محاكم دينية حتى يخشى عليها من انحراف الحداد والحاده؟ هي محاكم مدنية تحكم بالأحكام الوضعية ورئاسة هذه المحاكم اداريا بيد مدير العدلية الفرنسي.
الحق ان الحملة هذه كانت متطرفة وظالمة، حتى أصبح الحداد في نظر الكثيرين ضحية التآمر عليه من الرجعية التي زلزل الأرض من تحت أقدامها، والضحية تكوّن العطف عليها في النفوس التي راحت تلتمس المعاذير للتبرير والانتصار والمشايعة لآرائه وإلا فما هي الرجعية؟ وهل لها مصالح خاصة تخالف مصالح بقية الطبقات الاجتماعية تدافع عنها وتقدم لها الضحايا لاستبقائها؟ وراح أنصاره والمؤيدون له بعد وفاته بزمان يلتمسون الأسباب، ويخلعون عليه هالة الاكبار إن لم نقل التقديس، والحق بين طرفي الافراط والتفريط، أن علماء جامع الزيتونة ورجال الشريعة نسوا أو تناسوا أنهم يعيشون في ظل نظام غير إسلامي وإلا لما انزلقوا في ورطة منعه من اجتياز شهادة الحقوق، وبلغ بهم الغضب أنهم حاولوا قتله كفرا لاحدا بواسطة موافقة الباي الذي لا يتصرف في مثل هذا إلا بعد موافقة المقيم العام الفرنسي ولكنه امتنع محتجا بأن لا يقتل أحد من أجل أفكاره، ولم يكن الحداد مرضيا عليه من السفارة الفرنسية حتى يقال إن المقيم دافع عن صنيعة من الصنائع بل كان الحداد عاملا نشيطا في اللجنة التنفيذية للحزب الحر الدستوري القديم، وألقى بنفسه مرات في مواقع الخطر من أجل وطنه، وكان عضدا متينا للزعيم النقابي الدكتور محمد علي الحامي.
كان من حق جماعة جامع الزيتونة الرد عليه في هدوء واعتدال وبعد عن الاسفاف عملا بقوله تعالى:{اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} أما التطرف واشتداد الحملة فلا يتولد عنهما إلا العناد، وقد كان، ثم إن الإسلام ليس من الهزال بمكان حتى يؤثر في أصوله وأحكامه عشرات من أمثال الحداد، وإن قالوا هذا كله لسد الذريعة وردع لغيره أفلا يراعى في سد الذريعة ما تتركه من آثار في النفوس؟ والتنكيل الظالم