لا يردع الغير بل يخلق فيه روح الصلابة والعناد وهدوء العاصفة مسألة وقت ثم تأتي وتهب بعنف فتذهب بالأوتاد، إن بيان وجه الصدق والحق ينير الدرب، ويوضح الرؤية، ويضع المعالم الهادية، وتبقى شهوة الانتقام امرا غير مرغوب فيه يتعالى عنه ذوو النفوس الكريمة والعقول الراجحة وقد استمرت الحملة على أشدها لمدة سنوات في صحف ذلك الوقت كالزهرة، والنهضة والنديم الخ، وفي الحملة التبس الحق بالباطل، فالحداد عند أنصاره ومؤيديه مجدد وإمام مجتهد سابق لعصره ومجاهد، والحق وراء ذلك، أن من يدرس كتابه «امرأتنا في الشريعة والمجتمع» دراسة موضوعية بعيدة عن الاندفاع العاطفي، والانسياق الانفعالي، والاغترار بالأغراض الدعائية يجد فيه أن الحداد محدود الافق في الثقافة الإسلامية فهو في الفقه لا يتجاوز معرفة ما في «تحفة الحكام» لابن عاصم وشرحها للتاودي، وفي التفسير لا يتجاوز الاطلاع على تفسير البيضاوي، مع فقر مدقع في الحديث وعلومه كالاطلاع على دواوين السنة، وعلى كتب الطبقات، والجرح والتعديل، فهل من كان على مثل هذا المستوى المتدني يكون مجددا أو مجتهدا؟ ثم ما هو الاجتهاد؟ هل يكون مخالفا للنص الصريح والقاعدة السليمة، إنه لا اجتهاد مع النص، والحداد أراد أن يجتهد في أحكام صريحة قطعية النص والدلالة كأحكام الميراث، فقد جنح إلى تسوية المرأة بالرجل في الميراث، بدعوى تغير الأحوال الاقتصادية، وأن الوحي لو أدرك هذا العصر لغيّر هاتيك الأحكام، وهذه دعوى خطيرة تبيح لكل أحد التسور على الأحكام الشرعية وتغييرها حسب هواه، ثم إنه ينطوي ضمنا على أن الإله غير عالم بما سيحدث أو أنه لم يبين العلاج لهذه الحالة الطارئة، وتركها للهوى والغرض، يضاف إلى هذا أن أحكام الميراث جاءت مردفة بصيغ التأكيد والتهديد لمن يحاول تغييرها مما ينفي كل دعوى للاجتهاد لتبدل العصور وتغير أحوالها الاقتصادية وطراز معاشها، إن دعوى الاجتهاد، ومحاولة التغيير للأحكام الشرعية لغير متمكن من عبقرية اللغة، ولا له ذوق في استشفاف ما يقتضيه سياق الكلام سابقا ولاحقا، ومثل هاته المعرفة والذوق من شروط الاجتهاد أو أن يكون الشرط متوفرا ولكنه لا يطبق لبلوغ مقصد معين يمليه الهوى، فلا وزن لهذا الاجتهاد. وله موقف آخر