حول الحدود، وأثار حولها غبار النقاش هدفا لتبرير تعطيلها، ويطول المقام عن جداله في كل ما أورد من جزئيات، ونكتفي برد اجمالي نقول فيه: إن الحدود الإسلامية هي على شدتها الظاهرية أرحم بكثير من قوانين العقوبات الوضعية، لأن الحدود تدرأ بالشبهات، أية شبهة تسقط الحد حتى أن المجرم لو اعترف أولا بما نسب إليه ثم لاذ بالانكار في خاتمة المطاف، فإن هذا يكون شبهة تسقط الحد، وهذا لا يسقط العقاب المقرر في القانون، ومن القواعد المقررة لأن يخطئ القاضي في العفو خير من أن يخطئ في العقاب، وللمقارنة بين الحدود الإسلامية وقوانين العقوبات الوضعية نذكر أن السارق لخبزة من أجل سد جوعته لا تسقط عنه العقاب المقرر للسرقة في القوانين الجنائية غاية ما في الأمر أنه يسعف بظروف التخفيف، لا سيما إن كان مبتدئا غير متعود، لأن التعود أي من سبق منه ارتكاب هذه الفعلة، وصدر حكم ضده فإن هذا يكون ظرفا من ظروف التشديد، بينما القانون الإسلامي يسقط عنه الحد إذا كانت السرقة لأجل سد الجوع، ولا يرى فيها اعتداء على المجتمع ويرى أن هذا المجتمع مقصر في حقه حين لم يوفر له العمل والعيش الكريم حتى ألجأه إلى السرقة، والحدود الإسلامية زواجر غايتها تطهير المجتمع من العناصر الفاسدة التي لا يجدي معها أي إصلاح أو أية مرحمة ليبقى المجتمع متماسكا منسجما لا تتطاول عليه العناصر الشريرة، وتعبث بالقيم والمبادئ التي يدين بها المجتمع.
وهناك أمر آخر في هذا الكتاب، أثار عليه غضب الناقدين، وذلك أنه في معرض كلامه عن أزواج النبي - صلّى الله عليه وسلم - قال:«إن النبي بشر كسائر البشر» ومعناه أنه لا يتحكم في غريزته الجنسية كسائر البشر التافهين العاديين الذين لم يتحكموا في شهواتهم أو يعملوا على إعلاء غرائزهم والتسامي بها، والنظرة العابرة البسيطة تنسف تلك المقولة من أساسها لأن النبي - صلّى الله عليه وسلم - لم يتزوج بكرا إلا السيدة عائشة، والباقيات كنّ أيامى ثيبات قد ذهب أطيب شطرهن فالزواج بهن كان لمقاصد إنسانية صرفة، وإذن فعامل الشهوة أو الباعث الغريزي مفقودان، هذا زيادة عما في هذا التعبير