الميلادي، إذ كان ينتمي إلى حركة الشباب التونسي التي يتزعمها الأستاذ علي باش حانبة، مؤسس ومدير جريدة «التونسي» لسان تلك الحركة الوطنية، والمترجم من بين المساهمين في تحرير النشرة العربية لتلك الجريدة وهو في سن العشرين تقريبا.
له ميول اصلاحية تمثلت في آرائه في اصلاح التعليم الزيتوني، وفي قضية المرأة، وهو غيور على وطنه يقاوم الدعوات الاستعمارية الهادفة إلى المس من الذاتية التونسية بشجاعة أدبية كبيرة، مثل موقفه من دعوة الانسلاخ من المحاكم التونسية التي دعا اليها بعض اليهود والمسلمين فقد خطب في المؤتمر المنعقد بالبلمريوم خطابا هزّ به المشاعر، وذلك سنة ١٣٢٢/ ١٩٠٤، وهو إذ ذاك معلم بالمدارس الحكومية، ففصل عن التعليم، واشتغل بالتعليم الخاص لأبناء الأسر في تونس، إلى أن عينته الجمعية الخيرية معلما بمدرستها فباشر وظيفته إلى سنة ١٣٢٥/ ١٩٠٧ حيث انتقل إلى سوسة للتعليم بمدرستها القرآنية، فمكث معلما بها ثلاث سنوات، ثم انتقل إلى نيابة الأوقاف بسوسة في سنة ١٣٢٨/ ١٩١٠ إلى أن أحيل على التقاعد فباشر خطة عدل موثق بسوسة، واستمر مباشرا لها إلى أن لقي ربه.
عند ما باشرت وظيفتي لأول مرة في مدينة سوسة حرصت على التعرف عليه لأني لي عنه فكرة بأنه شاعر من خيرة الشعراء ومصلح من خلال مطالعتي لترجمته ومنتخبات أشعاره في كتاب الأدب التونسي في القرن الرابع عشر للأديب السيد زين العابدين السنوسي، وما كتبه من مقالات في المجلة الزيتونية، فتعرفت به في بداية صائفة سنة ١٩٥٢ وجالسته مرات، ودارت بيننا امشاج من الأحاديث في الأدب والأخلاق والفلسفة والسياسة، فعرفت به سعة الاطلاع، ومتانة الحجة، وقوة العارضة، مع جسارة فكرية وميل إلى الإغراب، فقد جرى مرة بيننا الحديث عن الصدق والكذب، فأبدى رأيه بأن الكذب ممقوت في كل الأحوال والظروف، فناقشته موضحا بأنه يلتجئ إليه أحيانا في حدود