ضيقة، وذكرت له الاستثناء الوارد في الحديث الصحيح، فأجابني بأنه لا يقول بصحة الحديث ولو كان موجودا في الصحيحين إذا لم يطابق المعقول عنده، فتعجبت من هذا الميزان غير الدقيق الذي يتحكم به في الأحاديث، ومن جسارته في رد ما في الصحيحين إذا لم يطابق المعقول عنده، وقلت له إذا كان في الصدق إضرار بالمصلحة العامة مثل سؤال الشرطة لك عن أحداث وأشخاص يقومون بنشاط وطني (والثورة قائمة آنذاك في البلاد ضد الاستعمار الفرنسي) هل من المعقول تجنب الكذب وقول الصدق لأنه صدق؟ ولو أضر بالحركة الوطنية وبالأشخاص العاملين لفائدتها، فجمجم ولف ودار، ولم يجب إجابة صحيحة معقولة على دعواه في التشبث بما يمليه العقل، وسمعت منه بعض الطرائف والنوادر عن الشيخ أحمد أديب المكي (أصيل مكة المكرمة) نزيل سوسة، وسمعت منه مجموعة من قصائده المدونة في دفتر من القطع الربعي، وغاب عني اسمه لطول المدة هل هو النعم في النقم أهو اسم أطلقه على طائفة من قصائده؟ وبقي عالقا بذهني أنه متأثر في هذه القصائد بفلاسفة القرن الثامن عشر.
وكان إذا حسر العمامة عن رأسه في الصيف قفزت إلى ذهني صورة قريبة من الصورة التخيلية التي رسمها بعضهم للإمام الغزالي، شعر مرسل يصل إلى الأذنين مع انحسار في وسطه.
أوصاني مرة بأن اتمسك بالأخلاق، واستهين بالصعاب وأن أقبل على المطالعة لتنمية زادي الثقافي، وألاّ اندفع في تيار الملذات والإسفاف وصغائر الأمور، وختم وصيته بقوله «إياك أن يسوّسك المجتمع» فكانت وصية حكيمة من حكيم.
ولمست منه التأثر بحجة الإسلام الغزالي، وله نزعة صوفية معتدلة، وهو واسع الاطلاع على الأدب الفرنسي.
يستشهد في أحاديثه بفقرات من كلام أعلامه وفلاسفته، وقد كان أول داعية عملي لتعليم البنت، والخروج بها من الاطار الضيق الذي سجنت فيه، فأخرج بناته سافرات بعد تجاوز طور الصبا، وهو جريمة لا