وأخذ العربية عن والده، وعن الإمام محمد بن العربي الحصايري شارح «تسهيل الفوائد» لابن مالك.
ومات والده وأكثر مشايخه في الطاعون الجارف العالمي الذي اجتاح تونس سنة ٧٤٩/ ١٣٤٩، وله من العمر سبع عشرة سنة، وترك رحيل العلماء المرينيين فراغا كبيرا في الحياة الفكرية بتونس، وفكر في الرحيل إلى فاس التي كانت حينذاك ألمع عاصمة في المغرب الإسلامي، وأخوه الأكبر محمد صرفه عن هذه الوجهة لمدة قليلة، في سنة ٧٥١/ ١٣٥٠ قلده الحاجب القوي ابن تافراجين كتابة العلامة للسلطان أبي إسحاق الحفصي، وهي كتابة «الحمد لله والشكر لله» بالقلم الغليظ مما بين البسملة من مخاطبة أو مرسوم، وقبل هذه الخطة مع العزم على الرحيل إلى فاس عند ما تحين الفرصة، وبهجوم أمير قسنطينة الحفصي على البلاد التونسية سنة ٧٥٣/ ١٣٥٢ للمطالبة بالعرش تهيأت له المناسبة المرجوة، فعند ما خرج السلطان أبو إسحاق لقتال أمير قسنطينة كان ابن خلدون معه، وانهزم السلطان، ترك ابن خلدون رفقة سيده بدون استئذان والتجأ إلى أبّة، ثم لحق بتبسة ثم قفصة حيث التقى فيها بمحمد بن مزني صاحب الزاب فصحبه إلى بسكرة حيث أمضى الشتاء عنده ومات السلطان أبو الحسن المريني سنة ٧٥٢/ ١٣٥١ وصفا الجو لابنه أبي عثمان الذي احتل تلسمان سنة ٧٥٣/ ١٣٥٢، وأعاد بجاية إلى سيطرته، ومن بسكرة عرض عليه ابن خلدون خدماته، وفي أثناء الطريق لقي الحاجب المربني ابن أبي عمرو المسمى حاكما ببجاية، وصحبه ابن خلدون إلى هناك حيث لبث ببجاية زمنا (إلى نهاية سنة ٧٥٤/ ١٣٥٣) قبل أن يستدعى إلى بلاط فاس، ولما عاد السلطان أبو عنان إلى فاس جرى ذكر ابن خلدون عنده فاستدعاه إلى فاس سنة ٧٥٥/ ١٣٥٤، ونظمه في مجلسه العلمي، وبعد قليل صار من كتابه، واستمر على مواصلة التعلم والتردد على الشيوخ الكبار سواء من المغرب أو من الأندلس عند مرورهم بفاس، وعند ما مرض السلطان أبو عنان انغمس في مؤامرة هدفها تحرير الأمير أبي عبد الله محمد الحفصي من معتقله لاسترجاع