إمارته في بجاية، واستنصر هذا الأمير بابن خلدون، ووعده بتوليته منصب الحجابة إذا هو ساعده على الفرار، ونمي الخبر إلى السلطان أبي عنان فأمر بالقبض عليه وعلى الأمير واودعا السجن سنة ٧٥٨/ ١٣٥٧، ثم أطلق سراح الأمير بعد ذلك، وبقي ابن خلدون في السجن مدة سنتين، وابن خلدون يدافع عن نفسه ويعزو هذه المحنة التي حلت به إلى الدسائس والحسد وسوء النية، وبعد وفاة السلطان أبي عنان (٧٥٩/ ١٣٥٨) بادر وزيره الحسن بن عمر باطلاق سراحه وإعادته إلى ما كان عليه، وكانت وفاة السلطان أبي عنان فرصة لاضطرابات ومعارك مسلحة بين الطامعين في العرش، وكان من بين المطالبين بالعرش الأمير أبو سالم الذي عاد من منفاه إلى الأندلس سعيا وراء هذا الغرض، وناصره جماعة كان من ضمنها ابن خلدون، فدعاه إليه وخرج للقائه مع طائفة من وجوه الدولة، ثم رجع إلى فاس في ركاب السلطان الجديد، ورعى له أبو سالم هذه السابقة واستعمله في كتابة سره وإنشاء مخاطباته في شعبان ٧٦٠ جويليه ١٣٥٩، وليقوي وضعيته اجتهد ليصبح شاعر البلاط، وفي أثناء قيامه بهذه الخطة آثر في إنشاء مخاطباته الأسلوب المرسل على المسجوع، وهو شيء انفرد به بين زملائه كتاب العصر، قال «وكان أكثر ما يصدر عني بالكلام المرسل، من دون أن يشاركني أحد ممن ينتحل الكتابة في الاسجاع لضعف انتحالها، وخفاء المعاني منها على أكثر الناس، بخلاف غير المرسل، فانفردت به يومئذ وكان مستغربا عند من هم أهل هذه الصناعة».
ثم إن السلطان أبا سالم ولى ابن خلدون خطة المظالم (وهي ولاية قضائية).
ولما ثار الوزير عمر بن عبد الله على السلطان أبي سالم، ونصب على الملك أبا تاشفين أقرّ ابن خلدون على ما كان عليه، لكن ابن خلدون لم يقنع بذلك لأنه كما قال «يسمو بطغيان الشباب إلى أرفع مما كان عليه» وقد رأته حرم من ثمار النصر، وأظهر سوء مزاجه، وكوّن له الأعداء، وعتب على الوزير عمر بن عبد الله وهجره وانقطع عن دار السلطان مغاضبا له، وبعد عدة صعوبات تحصل على الاذن في السفر إلى غرناطة (خريف