ولاه السلطان مشيخة خانقاه بيبرس بعد موت شيخها عند منصرف ابن خلدون من قضاء الحج، وهي من أعظم المصانع وأحفلها، وأوفرها ربحا، وأكثرها أوقافا، فكان رزق النظر فيها والمشيخة واسعا لمن تولاه (التعريف ٣١٣) وولي قاضي قضاة المالكية في جمادى الثانية سنة /٧٨٦ جويليه - اوت ١٣٨٤، وكانت ولايته للقضاء نذيرا بتوالي المحن، أذن السلطان الحفصي لعائلة ابن خلدون الالتحاق به بتداخل من السلطان الظاهر برقوق وغرقت السفينة الحاملة لهم في ميناء الاسكندرية «فذهب الموجود والمولود، فعظم الأسف واختلط الفكر»(التعريف ٢٨٥)، وكان لتشدده في الأحكام والاجراءات مما أثار عليه أحقاد أصحاب المصالح من الأعيان، ودسائس أعدائه الغاصبين لتقليده إحدى الوظائف الهامة لأجنبي أدت في النهاية إلى تأخيره عن القضاء في جمادى الأولى /٧٨٧ جوان - جويلية ١٣٨٥ قال ابن خلدون بعد انصرافه عن القضاء «وفرغت لشأني من الاشتغال بالعلم تدريسا وتأليفا».
وبعد أربع عشرة سنة في التدريس والتأليف قلده السلطان الظاهر برقوق خطة القضاء مرة ثانية في ١٥ رمضان ٨٠١/ ٢١ ماي ١٣٩٩، وعزل منها في محرم /٨٠٣ اوت - سبتمبر ١٤٠٠، ولما اعتلى السلطان فرج بن برقوق عرش مصر بعد وفاة أبيه ثبّت ابن خلدون في وظيفة القضاء، ثم عزله بتأثير السعايات، ثم أعاده ثم عزله، وهكذا لبث مترددا بين الولاية والعزل إلى ما قبل وفاته بقليل، وولايته الأخيرة والسادسة كانت في شعبان /٨٠٨ جانفي - فيفري ١٤٠٦ قبل أسابيع من وفاته في ٢٦ رمضان ٨٠٨/ ١٧ مارس ١٤٠٦، ودفن بمقبرة الصوفية.
وخرج من مصر في ركاب السلطان الناصر فرج لنجدة دمشق المهددة بهجوم تيمور لنك وبينما السلطان الناصر يستعد للدفاع عن دمشق بتقوية اسوارها بلغه خبر مؤامرة تحاك ضده في مصر، فخرج من دمشق عائدا إلى القاهرة، وكان بعض علماء دمشق مجتمعين في المدرسة العادلية، واتفقوا على طلب الأمان من تيمور لنك، وشاوروا نائب القلعة فأبى عليهم ذلك ونكره، فلم يوافقوه، وخرج القاضي برهان الدين ابن مفلح الحنبلي