للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكان شديدا على البايات، لا يهادن، ولا يتردد أن يعاملهم معاملة عامة الناس. استدعاه أحد البايات إلى قصر باردو ليخبره أنه عينه لخطة التدريس بجامع صاحب الطابع، وكان من عادة البايات تقديم أيديهم للتقبيل، وحين دخل على الباي صافحه، ولم يقبل يده فتغيّر عليه الباي، وأراد أن يحرجه فسأله عن سبب قدومه فأجابه بأن لا سبب له، وأنه هو الذي أرسل إليه، ولولا طلبه لما قدم، ولم يسع الباي إلا أن يكاشفه برغبته، ولم يقبل الوظيفة إلا بعد الحاحه الشديد.

وبالرغم من حب المشير الأول له كان المترجم ما فتئ ينتقده وينكر عليه سياسته الجائرة في فرض الضرائب، وفي طريقة جمعها، وكان يصرح بهذا الانكار ولا يخفيه، ومع ذلك كان المشير يجلّه ويخشاه، ويتودد إليه، وكان قد تخلّق باخلاق استاذه الشيخ صالح الكوّاش في موقفه من البايات لا يتوانى في الرد عليهم، ولا يخاف في الله لومة لائم.

وكان مقصودا لقضاء الحوائج لما عليه من كريم الأخلاق، وسامي المكانة في النفوس، واعتقاد المسئولين فيه الولاية والصلاح، يقال إن المشير الأول أحمد باشا كان يقول: إنه لم يقتل والدي غير دعاء الشيخ إبراهيم، ولذلك كان يتحامى جانبه، ويجلّ مكانه، خرج المترجم يوم المولد النبوي لقصد التوجه إلى جامع الزيتونة، فوجد عند بابه أرملة وأولادها عائلة رجل يسمى السعدي، قد أقام في سجن الكرّاكة (١) مدة فضجوا بين يديه ضجة واحدة، وتراموا بين يديه يسألونه بجاه الله ورسوله أن يشفع لهم في السجين المذكور عند الباي المشير الأول، ولما أتم قراءة المولد، وأخذ المشير يحادثه عرض عليه شفاعته في السعدي، فقال له المشير: «مؤبّد» ولم يستكمل كلامه حتى استعاذ المترجم، وقال: «إنما التأبيد لله» ونهض يكررها قبل اتمام الموكب، وقد بهت المشير من ذلك بمرأى ومسمع من جميع الحاضرين، وعند ذلك قام على أثره الوزير ولسان الدولة يعتذران


(١) الكراكة بمعنى السجن المؤبد مع الأشغال الشاقة، وسجن الكراكة كان بباردو وأصل الكلمة من التركية كيورك، راجع:
M.ben Cheneb، Mots tures et persans conserves dans le parler algerien، Alger ١٩٢٢، p.٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>