وهو أول من نظر في الأسواق، وإنما كان ينظر فيها الولاة، فنظر فيها يصلح من المعاش، وما يغش من السلع، وجعل الأمناء على ذلك، ويؤدب على الغش، وينفي من الأسواق من يستحق ذلك، ثم جعل على الأسواق قاضيا خاصا يعرف بصاحب السوق وصاحب المظالم، وأذن له أن يقضي في عشرين دينارا وأول من تولى هذه الخطة حبيب بن نصر بن سهل التميمي، وهو أول من جعل في الجامع إماما يصلي بالناس وكان ذلك للأمراء، وأول من جعل الودائع عند الامناء، وكانت قبل في بيوت القضاة، وأول من قدم الأمناء في البوادي، وكان من قبله يكتب إلى جماعة من الصالحين منهم، وكان يعطي الطابع لأهل العدوى فإذا جاء المستعدي بصاحبه أخذ منه الطابع لئلا يبعث به للناس، وكتب مرارا يأمر بقتل الكلاب ويسيّب الأعوان وراءها بالحراب.
قال عيسى بن مسكين: فحصل للناس بولايته على شريعة من الحق ولم يصل قضاء افريقية مثله.
وقال سعيد بن إسحاق: كل من ولي قضاء أفريقية اكتسب إلا سحنون.
وكان لا يأخذ لنفسه مرتبا ولا صلة من الأمير في قضائه كله ويأخذ لأعوانه وكتابه وقضاته من جزية أهل الكتاب.
لمّا أكثر من رد الظلامات في رجال الأمير ابن الأغلب، وأبى أن يقبل منهم الوكلاء في الخصومة وأن يحضروا بأنفسهم، وجه إليه الأمير - وقد شكوه إليه - بأنه يغلظ عليهم، فأرسل إليه ابن الأغلب وقال: إن فيهم غلظة وقد شكوك، ورأيت مما فاتك من شرهم فلا تنظر في أمرهم، فقال سحنون للرسول: ليس هذا الذي بيني وبينه قل له خذلتني خذلك الله، فلما أنهى الرسالة للأمير قال له: ما نعمل به إنما أراد الله.
ولما ثار القوبع على الأمير محمد بن الأغلب قال بعض القواد: اليوم نستمكن من سحنون إما بخسر دينه أو دنياه: فقالوا للأمير: سحنون داعية