يعطيه ما فداهم به، وأخذ الأموال التي فداهم بها سلفا، فلما قدم على الأمير أبى أن يعطيه الفداء، فالزم سحنون الاسرى بما أمروا به وقال لهم:
قد كنتم عبيدا للعدو، ولا تملكون من أموالكم وتأمنون الفتنة على دينكم فمن أعطى تركته، ومن أبى حبسته، ويفهم من الكلام أن الحادثة كانت في زمن ولايته القضاء. ولي القضاء سنة ٢٣٤/ ٨٤٩ فلم يزل قاضيا إلى أن مات.
قال ابنه محمد: ولي سحنون القضاء بعد أن أدبر عليه حولا، وأغلظ عليه أشد الغلظة، وحلف عليه محمد بن الاغلب بأشد الايمان، فولي يوم الاثنين الثالث من رمضان سنة أربع وثلاثين ومائتين فأقام أياما ينظر في القضايا يلتمس أعوانا ثم قعد للناس يوم الأحد بعده.
قال سليمان بن سالم: لما تمت ولاية سحنون تلقاه الناس فرأيته راكبا على دابة ما عليه كسوة ولا قلنسوة والكآبة في وجهه ما يتجرّأ أحد يهنيه، فسار حتى دخل على ابنته خديجة - وكانت من خيار النساء - فقال لها:
اليوم ذبح أبوك بغير سكين (١).
ولما ولي جاءه عون بن يوسف الخزاعي فقال له: نهنئك أم نعزيك؟ ! فسكت ثم قال له: بلغني أن من اتاها من غير مسألة أعين عليها ومن أتاها عن مسألة لم يعن عليها فقال له سحنون: من ولته الشفاعة عزلته، ومن ولته الشفاعة حكم بالشفاعة.
قال ابنه: يضرب الخصوم إذا آذى بعضهم بعضا أو تعرضوا للشهود، ويقول: إذا تعرض للشهود كيف يشهدون؟ ويؤدب الخصم إن طعن على الشاهد بعيب أو تجريح حتى يسأله هو عن تجريحه ويقول للخصم: أنا أعنى بذلك منك.
(١) يشير إلى الحديث الشريف: من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين رواه أبو داود والترمذي عن أبي هريرة، ورمز لحسنه السيوطي في الجامع الصغير، قال شارحه المناوي: هو أعلى من ذلك فقد قال الحافظ العراقي: سنده صحيح. فيض القدير ٦/ ٢٣٨.