وجيها في العامة، مقدّما عند الملوك، حسن العناية، نهّاضا بالأثقال، واسع الحيلة جيد النظر عند الحوادث والملمات».
وقال ابن الجزار:«كان ابن سحنون إمام عصره في مذهب أهل المدينة بالمغرب، جامعا لخلال قلما اجتمعت في غيره من الفقه البارع، والعلم بالأثر والجدل والحديث، والذب عن مذهب أهل الحجاز سمحا بماله كريما في معاشرته، نفّاعا للناس، مطاعا، جوادا بماله وجاهه، وجيها عند الملوك والعامة، جيد النظر في الملمات».
وكان قد عني بسليمان بن عمران حتى استكتبه أبوه، ثم ولاه قضاء باجة، فلما مات سحنون، وولي سليمان بن عمران قضاء القيروان مكانه، أساء صحبة محمد بن سحنون، وفسدت الحال بينهما إلى أن وجه إليه سليمان فأتاه في خلق من اتباعه فأغلظ سليمان في القول، ومن جملة ما قال له:«ما أحوجك إلى من يمضغك قطن قلنسوتك هذه» ولم يجسر عليه بمكروه وانصرف. وكان سليمان يلقيه ويؤذيه بالقول، ثم تفاقم الأمر بينه وبين سليمان بن عمران القاضي حتى توارى ابن سحنون خوفا على نفسه فكتب أثناء تواريه إلى الأمير محمد بن الأغلب ما كتب عثمان بن عفان إلى علي بن أبي طالب متمثلا ببيت شاس بن نهار:
فإن كنت مأكولا فكن أنت آكلي ... وإلا تداركني ولمّا أمزّق
فقال الأمير بن الأغلب: ومن يمزقه مزّق الله جلده، ثم رفع يد سليمان عنه، وامّنه منه، فرد سليمان غضبه على أصحاب ابن سحنون، فأخذ فرات بن محمد العبدي فضربه بالسياط. وبينما محمد بن سحنون يمشي يوما لقيه صاحب الصلاة بالقيروان المعروف بابن أبي الحواجب - وكان من أعدائه - فأومأ إلى أذنه فأمكنه ابن سحنون منها، فقال له سرا:
يا زاني، يا ابن الزانية، فأجابه ابن سحنون جهرا: نقضي حاجتك إن شاء الله، وأوهم من حضره أنه سأله حاجة، وسار ابن أبي الحواجب فأخبر سليمان بن عمران بما كان من قوله وبما كان من جواب ابن سحنون، فقال