في مراحل الطفولة الأولى وأجبرته العلة الطاغية على مبارحة المدرسة، ولم يترشح لامتحان الشهادة الابتدائية، ولم يمهله الداء طويلا فقد فقد كريمته الأخرى وأصبح كفيفا بالرغم عن عرضه على الطبيب الوحيد بالمدينة ووقوعه في حبالة متطبب دجال، وسافر إلى العاصمة للمعالجة، لكن الطبيب الذي تولى فحصه أعلمه بأن القدح بمرود الذهب من قبل المتطبب الدجال قضى على عروق العين ولا أمل في إعادة الابصار إليها.
وفي سنة ١٣١٧/ ١٨٩٩ سافر إلى تونس العاصمة صحبة بعض زملائه لمواصلة التعلم بجامع الزيتونة، ومكث به طالب علم مدة عامين، ثم تقدم مدعيا لاداء امتحان شهادة التطويع فكان من الفائزين بها في سنة ١٣١٩/ ١٩٠١، وبعدها عاد إلى مسقط رأسه واحتفل بمقدمه فهنأه الشيخ محمد السلامي ببيتين:
أمحمد يهنيك ما قد نلت من ... علم يقصر عن مداه الذاكر
فأهنأ بفوز الامتحان فإنه ... قد جاء في التاريخ «فز يا شاكر»
وانتصب بصفاقس مدرسا متطوعا، وكان في دروسه يحمل على البدع والخرافات القبورية ومالها من ذيول وتأثيرها في العقائد والاخلاق لأنه كان متأثرا بالحركة الاصلاحية التي تقودها مجلة «المنار» وكانت بينه وبين صاحبها الشيخ رشيد رضا مراسلات، والجهر بهذه الآراء في ذلك العصر لم تكن لتحرز رضا كل الناس لأن أغلبهم يرى أن الدين ما مضى عليه السلف الجاهل من استنجاد بالمقبورين، واعتقاد تصرفهم تصرفا جزئيا في الكون، وهكذا يصبح عند العقول الميتة الشرك الجلي مما ينافح عنه. وقام هؤلاء الأضداد المتحمسون بتقديم قضية ضد المترجم إلى المحكمة الشرعية بصفاقس، وقد حكى المترجم في مذكرة له ما حف بدعوته والقضية المقدمة ضده من ملابسات فقال؛ «الأمر الذي فيه خطر على عقيدة التوحيد، ولم يرق لبعض من يحضر الدرس فرفع قضية إلى المجلس الشرعي، ووقعت بيني وبين أعضائه مناقشة شديدة، فقلت لهم في آخرها: كان بودي أن أرى