شيوخ المجلس يعاضدونني في إزالة تلك البدع التي ينكرها الاسلام، وتطهير المجتمع من تلك الموبقات، لا أن يدعونني إلى المحكمة كخصم، ولكن هكذا قضى علينا عموم الجهل».
واستاء أعضاء المجلس الشرعي وغضبوا من مجابهته لهم بمثل هذا فاشتكوا كتابة إلى عامل البلد (الوالي) طالبين عزله، فسار العامل في ركابهم، وصدر الامر الملكي في عزله من التدريس، وتجريده من شهادة التطويع، وكان ذلك في شعبان ١٣٢٠/ ١٩٠٢، وهذا الاجراء غاية في الظلم والتنكيل، فإذا كانت خطة التدريس مما يوهب ويسلب فإن شهادة التطويع نتيجة مجهود شخصي لا توهب ولا تسلب، ونشرت خبر عزله وتجريده مجلة «المنار» وجريدة «الطان» الباريسية، وسافر إلى العاصمة لمتابعة القضية وناصره شيخ الشيوخ فخر العلماء الشيخ سالم بو حاجب، وبعد أربع سنوات الغي أمر العزل، وأعيدت له حقوقه المسلوبة بفضل توسط بعض أصدقائه.
ويبدو أن هذه الصدمة القاسية الظالمة، والرجل كفيف البصر لا سلاح له في الحياة إلا شهادته العلمية، وهذه الصدمة أفهمته أن الجو العام غير قابل للآراء الاصلاحية، وإن الرجعية والخرافات تؤيدها السلطة العليا في البلاد، ولعل الوسطاء الذين تدخلوا لتسوية القضية أشاروا عليه بأن يكف عن الدعوة إلى الآراء الاصلاحية، وينتسب إلى الطريقة التيجانية الضالة لأن قصر الباي وحاشيته من اتباع هذه الطريقة، وهما ينظران إلى معتنقها بعين الإكبار لا سيما بعد إعلانها بعد إعلان مجلة المنار الخصومة للشيخ أحمد التيجاني، ويتهمونها بالوهابية كأن الوهابية جريمة في نظر هؤلاء السادة. ومن الملاحظ أن خصوم مجلة المنار كثيرون بتونس.
وليت المترجم سكت عن آرائه الاصلاحية، ولم يتنكر لها وينكص على عقبيه، ويصبح صوفيا غاليا يغذي بدع الصوفية التي قاومتها بشدة مجلة «المنار» ولعله معذور إذا نظرنا بعين الانصاف إلى الجو الخرافي السائد في قصر الباي مركز السلطة العليا في البلاد.