يضع في طريقها الصعاب، والمتزمتون الجامدون على كل قديم ولو اتضح عواره ونقصه وقد نقل عنهم أنهم سموا الخلدونية (خل ودونية) وأطلقوا على البشير صفر (البشير كفر) فيا لله من هذي العقول.
وكان المترجم يقوم بدروس الجغرافيا والتاريخ، وفي هذه المادة الثانية أبدى ضلاعة ومقدرة على ربط الحوادث وتعليلها بالرجوع إلى أبعد التفاصيل التاريخية إلى أحدث المشاكل السياسية التي كانت تشغل الأفكار حينئذ. وحازت دروسه التاريخية شهرة واسعة وأقبل عليها الراغبون بشغف وشوق، ويحكى أن الشيخ محمد المهدي الوزاني مفتي فاس حضر مرة في إحدى زياراته إلى تونس محاضرة في التاريخ بقاعة الخلدونية، وفرنسا إذ ذاك تمهد لاحتلال المغرب الأقصى، وأحواله السياسية لا تبعث على الاطمئنان فتجاذب أطراف الحديث مع الزائر عن أحوال المغرب الأقصى وما هي وسائل اصلاح أوضاعه للوقوف في وجه الأطماع الاستعمارية، وأصبحت له بين الزيتونيين زعامة لا تقل على زعامته بين الصادقيين، يكنون له جميعا الإجلال والمحبة حتى لقب بحق أبا النهضة التونسية. تولى رئاسة جمعية الأوقاف من سنة ١٣١٧ إلى سنة ١٣٢٧/ ١٨٩٩ - ١٩٠٩، وأبدى من الكفاءة والمقدرة والغيرة على مصالح الأوقاف ما وطد حبه في القلوب واجلاله في النفوس، وقد أجرى من الأوقاف إعانات كثيرة لمؤسسات خيرية وعلمية، وأسس تكية العجز بشارع باب البنات من أموال الأوقاف.
وهذه المنزلة الشخصية التي سادها بجده وإخلاصه وكريم خلاله جعلته محل تقدير واغتباط من زعماء النهضة الشرقية أمثال الشيخ محمد عبده الذي عرفه في زيارته لتونس سنة ١٣٢٢/ ١٩٠٢، وزعيم النهضة الوطنية المصرية مصطفى كامل باشا الذي عرفه في فرنسا، وزعيم الوطنية المصرية والوحدة الإسلامية محمد فريد بك الذي لقيه عند زيارته لتونس ثم اجتمع به في مصر عند رحلة المترجم إليها في ضيافة الأميرة نازلي.
وكل هذا لم يكن يمر برضا من الاستعمار ففكرت حكومة الحماية في