للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإن أَدْلَوْا برؤسائهم وأئمَّتهم كفرعون ونمرود وبطليموس وأرسطاطاليس ومقلدتهم وأتباعهم، فلم يزل أعداء الرسل يعارضونهم بهؤلاء وأمثالهم، ويقدمون عقولهم على ما جاءوا به.

ويا للَّهِ العَجَبُ! كيف يُعارَض قول الرَّسول بقول الفيلسوف، وعلى الفيلسوف أن يتبع الرُّسل، وليس على الرُّسل أن تتبع الفيلسوف، فالرَّسول مبعوثٌ، والفيلسوف مبعوثٌ إليه، والوحي حاكمٌ، والعقل محكومٌ عليه؛ ولو كان العقل يُكتفى به لم يكن للوحي فائدة ولا غنًى، على أن منازل الخلق (١) متفاوتة في العقل أعظم تفاوت، وأبصارهم مختلفة، وليس العقل بأَسْره في واحدٍ من النَّاس أو طائفةٍ معيَّنةٍ حتى يكون تقديم عقولهم على (٢) ما جاءت به الرُّسل، بل لكل طائفةٍ معقولٌ مخالفٌ معقولَ الأخرى. فمن أظلم وأشد عداوةً للرسل ممَّن جوَّز لكل طائفةٍ من طوائف العقلاء أن يقدم عقولها على ما جاءت به الرسل؟!

فإن قالوا: إنما نُقدِّم العقل الصريح الذي لم يختلف فيه اثنان، على نصوص الأنبياء. فقد رَمَوُا الأنبياء بما هم أبعد الخلق منه، وهو أنهم جاؤوا بما يخالف العقل الصريح الذي لا يختلف فيه اثنان. هذا، وقد شهد الله ـ وكفى به شهيدًا ـ وشهد بشهادته الملائكة وأولو العلم أن طريقة الرُّسل (٣) هي الطريقة البرهانية المتضمنة للحكمة، كما قال تعالى: {يَاأَيُّهَا اَلنَّاسُ قَد


(١) «ح»: «الحق». والمثبت أليق بالسياق.
(٢) «ح»: «عا». والمثبت هو الصواب.
(٣) «م»: «الرسول».