للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآن فقد كاد يستحيل أن تسير القوافل إلى حلب ولو من أقرب محل إليها ولهذا عزّ وجود الفحم على الغني والفقير وصار من أحب الهدايا بين المتحابين وأفضل الصدقات عن المتصدقين، وكان الناس يستعملون بكثرة مواقد الكاز البترول بالطبخ ويحتالون باستعمالها للدفء بأن يرتكز عليها صفحة الحديد المعروفة بالصاج، ويضعون فيها رملا ويدفؤون عليه.

وفي هذه المدة هلك مئات من الكلاب في حلب وغيرها مما أبقته آفة التسميم التي سلطتها الحكومة عليها في الصيف الماضي، وقد هامت الوحوش والضواري على وجوهها في ضواحي حلب ومفاوزها وهجم بعضها على القصبات، وهلك وصيد ما لا يحصى من الغزلان والذئاب والضباع والنمور والثعالب والأرانب وأنواع الطيور الدواجن وغيرها، وتلف مقدار نصف مليون من غنم القنية «١» وغنم التجار المرسلة من جهات الموصل وأرضروم، ولحق تجار حلب من ذلك نحو سبعين ألف رأس، فانكشف حال كثيرين منهم وارتفعت أسعار اللحم والسمن خمسة وعشرين في المائة ووقفت حركة التجارة، وأقفلت أكثر حوانيت الباعة في الأسواق والخانات، وتعطل كثير من الأفران لفقد مادة الوقود وتهدم مقدار عظيم من سقائف الأسواق، بطبعه، أو هدمته الحكومة خوفا من خطره. وخرب في أنطاكية عدد غير قليل من البيوت لأن بناءها غير مستعد لتحمل أثقال الثلوج التي لا تقع هناك إلا نادرا. وجمد نهر العاصي على مقدار أربعة أذرع من جانبيه، وجمد نهر الفرات كله من بعض جهاته وتفطّر في بعض مساجد حلب أعمدة صخرية مر على ركزها في محلها ستمائة سنة فلم يحصل بها خلل سوى هذه السنة.

وبهذا يستدل على أن برد هذه السنة مما لم يسبق له نظير في حلب منذ ستمائة سنة، وتكسر كثير من الحجارة المرصوفة في سفل الأبواب المعروفة باسم البرطاش وعدد غير قليل من الأدراج الحربية، وتفرقع أكثر الرخام المفروش في المنازل والمساجد، وتحطم مالا يحصى من الأواني الزجاجية التي يحفظ فيها بعض المائعات كالخلّ والأشربة الحلوة، وتخرق الكثير من الظروف النحاسية واختلت طلنبات رفع الماء وتكسر أكثرها، وصقعت

<<  <  ج: ص:  >  >>