الملك الصالح باشورة «١» كانت قديمة فجددها وكتب اسمه عليها ولم تزل عمارته في ازدياد إلى أن ملكها الملك الناصر صلاح الدين يوسف ابن أيوب وأعطاها أخاه الملك العادل سيف الدين أبا بكر فبنى فيها برجا ودارا لولده فلك الدين، كانت تعرف به، ولما ملك الظاهر غازي حصنها وحسنها وبنى فيها مصنعا كبيرا للماء ومخازن للغلات وهدم الباشورة التي كانت في سفح تلك القلعة وبناها بالحجر الهرقلي وأعلى بابها وكان قريبا من الأرض متصلا بالباشورة فوقع في سنة ٦٠٠ هـ وقتل تحته خلق كثير وعمل لهذا الباب جسرا ممتدا منه إلى البلد وبنى على الباب برجين لم يبن مثلهما قط وعمل للقلعة خمس در كاوات بأزج «٢» معقودة وحنايا منضودة وجعل لها ثلاثة أغلاق من الحديد وأقام لكل باب منها أسباسلار ونقيبا وبنى فيها أماكن لجلوس الجند ورجال الدولة، وكان يعلق بها آلات الحرب.
وفتح في سور القلعة بابا يسمى باب الجبل شرقي باب القلعة، وعمل له دركاه لا يفتح إلا له إذا نزل إلى دار العدل وهذا الباب وما قبله انتهت العمارة منهما سنة ٦١١ هـ وفي سنة ٦١٦ هـ في الرابع والعشرين من شهر رمضان مهدت أرض الخندق الملاصق للقلعة فوجدت فيه لبنة من الذهب الإبريز زنتها سبعة وتسعون رطلا حلبيا والرطل سبعمائة وعشرون درهما وبنى الظاهر غازي في القلعة ساتورة «٣» للماء بدرج إلى العين وبنى ممشى من شمالي القلعة إلى باب الأربعين وهو طريق بازج معقود لا تسلك إلا في الضرورة وكأنه باب السر وزاد في حفر الخندق وأجرى فيه الماء الكثير وخرق في شفيره مما يلي البلد مغاير أعدها لسكنى الأسارى في كل مغازة خمسون بيتا وأكثر وبنى في القلعة دارا تعرف بدار العز وكان في موضعها دار للملك العادل نور الدين تسمى دار الذهب ودارا تعرف بدار العواميد ودارا للملك رضوان حازت كل معنى غريب. وفيها يقول الرشيد عبد الرحمن بن النابلسي من قصيدة مدحه بها سنة ٥٣٩ هـ:
دار حكت دارين في طيب ولا ... عطر بساحتها ولا عطّار
رفعت سماء عمادها فكأنها ... قطب على فلك السعود يدار