للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لسحرًا) (١) أنه مكروه لأنه يخدع الناس خِدعَة الساحر. هذا هو رأيه فيه، وعليه تدُّل ترجمة الباب (٢) الذي أدخله عليه.

وقال غيره من العلماء إنما أراد به مدح الكلام لأنه أثنَى وذمَّ وكان الكلُّ صدقًا، وصرَّفه بمقدار الحاجة فصار أمرًا بعيدًا فأثنَى عليهِ النبي - صلى الله عليه وسلم - لا سيّما وكان من حاجةِ المتكلم في الإعراب عن نفسه، والذي ذهب إليه مالك أصح (٣)، والدليلُ عليه ما تفطّن له مالك رضي الله عنه من أن المرء إذا اتخذ هذا عادةً لم يأمن أن يسقطهُ، ولذلك أدخلَ بعده كلام عيسى عليه السلام "لا تكثروا الكلام بغيرِ ذكر الله تعالى .. " إلى آخره. وأما قول عائشة: ألا تريحون الكتّاب (٤)؟ فليس عليهم تعب لأنّ الله تعالى أخبر عنهم أنهم عباد مكرمون لا يستحسرون ولا يفترون، ولكنها أخذتْ ذلك من قول النبي- صلى الله عليه وسلم -للحولاء (٥): (إن الله لا يملُّ وأنتم تملُّون) (٦) فضربَ لقطع الأجر مثلًا المَلل الذي يقطعُ به العبدُ العمل. فكذلك قالت ألا تقطعون كلامكم حتى تقطع الملائكة عملها، وكذلك روي أن اليهود قالت إن الله تعالى خلق الخلق في ستةِ أيّامٍ ثم استراح في اليوم السابع (٧)، فأنزل الله


الكلام بغير ذكر الله قسوة وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي) الترمذي (٢٤١١)، في الزهد وقال: حسن غريب.
(١) رواه مالك في الموطأ ٢/ ٩٨٦ عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر إنه قدم رجلان من المشرق فخطبا فعجب الناس لبيانهما فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن من البيان لسحرًا) وأخرجه البخاري في الطب باب البيان سحرًا ٧/ ١٧٨، وشرح السنة ١٢/ ٣٦٢.
(٢) باب ما يكره من الكلام بغير ذكر الله.
(٣) انظر كلام الحافظ على هذا الحديث في الفتح ١٠/ ٢٣٧، وشرح السنة ١٢/ ٣٦٣.
(٤) مالك إنه بلغه أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت ترسل إلى بعض أهلها بعد العتمة فتقول ألا تريحون الكتاب. الموطأ ٢/ ٩٨٧.
(٥) الحولاء بالمهملة والمد وهو اسمها بنت تويت بمثنايتين مصغرًا ابن حبيب ابن أسد بن عبد العزي من رهط خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها. الفتح ١/ ١٠١.
(٦) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب الإيمان باب أحب الدين إلى الله ألومه ١/ ١٧، ومسلم في صلاة المسافرين باب فضيلة العمل الدائم (٧٨٢)، من حديث عائشة أن النبي- صلى الله عليه وسلم - دخل عليها وعندها امرأة قال: (من هذه)؟ قالت: فلانة تذكر من صلاتها قال: (مه عليكم بما تطيقون فوالله لا يمل حتى تملوا وكان أحب الدين إليه ما دام عليه صاحبه) لفظ البخاري.
(٧) قال القرطبي قال قتاده والكلبي هذه الآية نزلت في يهود المدينة زعموا أن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام أولها يوم الأحد وآخرها يوم الجمعة واستراح يوم السبت فجعلوه راحة فأكذبهم الله تعالى في ذلك. القرطبي ٧/ ٢٤.

<<  <   >  >>