للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تعالى تكذيبًا لهم: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ ...} (١) الآية. فإن كانت اليهود وجدت هذه اللفظة في التوارة فذلك جائز، ولكني أخطات في حملها على ظاهرها، فقد جاء في القرآن أمثالها ولكن من حملها على ظاهرها كان أخا لليهود، وقد مرّ مالك بن دينار على قوم يتحدثون فيكثرون، فقال لهم: لو اشتريتُم الرقَ والمداد من دراهمكم للكتبة لكان كلامكم أقل.

سمعتُ الشيخ الإِمام أبا سعدٍ بالمسجدِ الأقصى يقول: سمعتُ الإِمام أبا القاسم القشيري يقول بنيسابور: قال الله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} وقد كان قادرًا أن يخلقها في لحظةِ ولكنه أرادَ أن يُعلّم الناسَ ترك العجلةِ معَ القدرةِ.

وأما الباب الرابع في الغيبة فقد قال الله تعالى: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} (٢) معناهُ يذكرهُ بما فيهِ مما يكره، فإن ذكرهُ بغير ما فيهِ فهو البهتان (٣) حرم الله تعالى ذلك لأنه يتناول الأعراض، وكما حرَّم على الناسِ تناول أموال الناس ودمائهم بغير حِق، كذلك حرَّم غليهم تناول أعراضهم بغير حقٍ، ولا فرقَ بين الأحوال الثلاثة، وقد حفَّ الله تعالى الدماء بالقَصَاصِ وحَفَّ الأموال بالقطعِ، وحفَّ الأعراض بالحدّ كل ذلك حجبٌ لا يحلُّ اختراقها، فمن اخترقها بالأذى أُدبَ ومن اخترقها بالأقصى حُدَّ. ترتيبُ حكيم للمصلحة وتدبيرَ عزيزٍ له القَهرُ والغَلبةُ.

أخبرنا أبو سعيد الزنجاني قال: قال لنا أبو القاسم القُشيري: قال الله تعالى في الغيبة: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} فذكر وجوهًا أولها وأولاها تنزيل الغائب منزلةَ الميتِ لأنّ الحاضِرَ ينتصرُ لنفسِهِ إذا سمع عرضه، والغائب لا ناصر لهُ من نفسِه كالميت.

وأما الباب الخامس (٤) في مناجاة بعضَ الناس دون بعض فاختلف الناسُ فيه على أربعة أقوالٍ:


(١) سورة ق (٣٨).
(٢) سورة الحجرات (١٢).
(٣) روى مسلم من حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (أتدرون ما الغيبة)؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: (ذكرك أخاك بما يكره) قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟، قال: (إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته) مسلم في كتاب البر والصلة باب تحريم الغيبة (٢٥٨٩).
(٤) الموطأ ٢/ ٩٨٨.

<<  <   >  >>