للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَجَسَّاسٌ (١) لَحَّاس (٢)، فلا يمتنع أن يكون له حصاص لا سيما وهو أذل له في الفرار، وأبلغ لدخول الرعب في قلبه، وأدعى لذهاب قوته حتى لا يملك نفسه من خوف ذكر الله تعالى، وفي الحديث: "لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ لَعَنَ (٣) الله الشَّيْطَانَ فَإِنَّهُ إِذا سَمِعَهَا تَعَاظَمَ حَتَّى يَصِيرَ كَالْجَبَلِ وَلْيَقُلْ أَعُوذُ بِالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ فَإِنَّهُ إِذَا قَالَها تَضَاءَلَ وَتَصَاغَرَ" (٤) وهذا حديث صحيح خرّجه النسائي، ولأن الله تعالى قال له: {وَأَن عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدَينِ} (٥) فما أثَّر ذلك فيه، فكيف يسأل عن لعنة غير الله تعالى.

وأما المجاز في معنى الحديث فهو متَّسع ويكون استعارة وعبارة عن فراره ذليلًا خاسياً، كما يفر العير الضروط، وقوله: "حَتَّى يَخْطُرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ" يعني بذلك الوسوسة وهو أمر مكَّن الله تعالى منه الشيطانَ في الإنسان، وجعل دواءه الاستعاذة فقال تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (٦).

وهذا ما لم تتمكن الشهوات في القلوب ولم تَحْلَوْلِ (٧) المعاصي في النفوس ولا ارتبطت العلائق بالهوى حتى غلبت النفس فليس دواؤها حينئذ الاستعاذة وإنّما ينفع فيها التوبة بحذف الشهوات وقطع العلائق والاستبصار بالحقائق.


(١) التَّجَسُّس بالجيم التفتيش عن بواطن الأمور وأكثر ما يقال في الشر، والجاسوس صاحب سر الشر، والناموس صاحب سر الخير. وقيل التجسس بالجيم أن يطلبه لغيره، وبالحاء أن يطلبه لنفسه. وقيل بالجيم العورات وبالحاء الاستماع، وقيل معناهما واحد في تطلب معرفة الأخبار، النهاية ١/ ٢٧٢.
(٢) أي كثير اللحس لما يصل إليه. النهاية ٤/ ٢٣٧.
(٣) في (ك) و (م) أخزى.
(٤) الحديث لم أطلع على عزو المؤلف له للنسائي ولعله في سننه الكبرى التي ليست متوفرة، وقد روى الحديث الطبراني في الكبير ١/ ١٦١ وقال فيه عن أبي المليح عن أبيه أسامة وهو ابن عمير.
ورواه الحاكم في المستدرك ٤/ ٢٩٢ وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وكذا قال الذهبي. وأورده المنذري في الترغيب والترهيب ٤/ ٨٠ وعزاه للنسائي والطبراني والحاكم وقال: صحح الإسناد. وأورده ابن الأثير في أسد الغابة ١/ ٦٧، وقال فيه: عن أبي المليح عن أبيه .. والحديث صحيح كما ذهب إليه المؤلف والحاكم والذهبي فكل رجاله ثقات.
(٥) سورة الحجر آية ٣٥.
(٦) سورة فصلت آية ٣٦.
(٧) في (م) تحل.

<<  <   >  >>