للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (١): {وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا} (٢).

فائدة: الأذان إنما وضع، كما قدَّمنا، للإعلام بالوقت، فلا يكون إلا عند دخول الوقت. ولم يشرع الأذان في الدين للنوافل وإنما شرع للإعلام بوقت الفرائض خلا الصبح فإنها يُنادى لها قبل وقتها بقليل لتأهب الناس لها ويوقعونها في وقتها؛ إذ تصادفهم على غفلة وفي وقت يشق عليهم القيام، وقد غلا في ذلك بعض الرواة فقال: يؤذن للصبح عند الفراغ من صلاة العتمة، وقيل: يؤذن لها إذا انتصف الليل أو تثلث، وهذا كله ضعيف لانه ليس في هذه (٣) الأوقات صلاة فريضة وإنما هي أوقات فضيلة ولم يشرع لها أذان فلا ينبغي أن يتلفت إلى ذلك.

حديث: "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا في النِّدَاءِ" (٤) إلى آخره. أما فضل النداء فمعلوم وأصوله أربعة:

أحدها: ما فيه من توحيد الله تعالى وتعظيمه والشهادة لرسوله والدعاء لعبادته.

ثانيهما: في حديث أبي سعيد الخدري من فضيلته، حسب ما تقدم من صفته.

ثالثها: أن الخلق كلهم في حفظ الوقت في صحيفته يذكر غافلهم ويحرّض متكاسلهم فكلهم يشركه في أجره، ولهذا كان عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، يقول: (لَوْلَا


(١) روى الإِمام أحمد من رواية أبي سعيد الخدري ٣/ ١٨ قال: قال رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلاَ قَطِيعَةُ رَحْمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ الله بِهَا إِحْدَي ثَلَاثٍ إِمَّا أَنْ يَعْجّل لَهُ دَعْوَتَهُ وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا في الآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا قَالُوا إِذاً نُكْثرُ قَالَ الله أَكْثَرُ".
قال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلى بنحوه والبزار والطبراني في الأوسط ورجال أحمد وأبي يعلى، وأحد إسنادي البزار رجال الصحيح غير علي بن علي الرفاعي وهو ثقة. مجمع الزوائد ١٠/ ١٤٨.
أقول: الحديث فيه علي بن علي وهو ثقة، كما قال الهيثمي، وقد قال الذهبي وثّقه غير واحد. الكاشف ٢/ ٢٩١، وقال الحافظ في ت ٢/ ٤١ لا بأس به وانظر ت ت ٧/ ٣٦٦. والتاريخ الكبير ٦/ ٢٨٨، والحديث صحيح كما قال الهيثمي.
(٢) سورة الإِسراء آية ٢١.
(٣) في (م) تلك.
(٤) الحديث متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب الأذان باب الإِسهام في الأذان ١/ ١٥٩ ومسلم في كتاب الصلاة باب تسوية الصفوف وإقامتها ١/ ٣٢٥ كلاهما من حديث أبي هريرة: "أَنَّ رَسولَ الله، - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا في النداءِ والصَّفِّ الأوَّلِ ثُمَ لمْ يَجِدُوا إلّا اَنْ يَسْتَهِمُّوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُّوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا في التَّهْجِيرِ لاَسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا في الْعَتْمَةِ وَالصُّبحِ لأتُوهُمَا وَلَوْ حَبْوَاً".

<<  <   >  >>