للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأول: أن الشيء قد يشرّف بذاته كشرف الله تعالى على خلقه وليس هذا لفاتحة الكتاب لأن الذاتية في الكل واحدة وهي كلام الله تعالى.

الثاني: أن الشيء قد يشرّف بصفاته وذلك للباري سبحانه على الحقيقة والإطلاق دون سائر المخلوقات {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (١).

وفي الفاتحة شيء من هذا الشرف وبهذا شرّف النبيّ،- صلى الله عليه وسلم -، على سائر الآدميين؛ لأن الذات له ولهم واحدة وإنما شرّف بالصفات وهي عظيمة متعددة وقعت الإشارة إلى أفضلها في قوله: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} (٢)، ووقع التنبيه على جميعها في قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (٣). وفي الفاتحة من الصفات ما ليس في غيرها حتى قيل إن جميع القرآن فيها، وهي عشرون كلمة تضمنت جميع علوم القرآن، ومن شرفها أن الله تعالى قسمها بينه وبين عبده، وهو الثالث.

الرابع: أنه لا تصح القراءة إلَّا بها.

الخامس: أنه لا يلحق عمل بثوابها, ولله تعالى أن يفاضل بين الثواب في الفعلين وإن استويا. ولهذه المعاني كلها صارت القرآن العظيم كما صارت {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن (٤)، إذ القرآن توحيد وأحكام ووعظ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فيها التوحيد كله، وبهذا المعنى وقع البيان في قوله،- صلى الله عليه وسلم -، لأبي بن كعب: "أَيّ آيَةٍ في الْقُرْآنِ أعْظَمُ"


(١) سورة الشورى آية ١١.
(٢) {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} سورة الكهف آية ١١٠.
(٣) سورة القلم آية ٤.
(٤) الحديث أخرجه البخاري في كتاب الفضائل باب فضل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ٦/ ٢٣٣ عن أبي سعيد الخدري، وفي كتاب التوحيد باب ما جاء في دعاء النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى ٩/ ٩٢ - ٩٣، عن أبي سعيد أيضاً، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب فضل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} عن أبي الدرداء وأبي هريرة ١/ ٥٥٦ - ٥٥٧، وأبو داود ٢/ ١٥٢.
عن أبي سعيد أيضاً، والترمذي ٥/ ١٦٨ - ١٦٩، والنسائي ٢/ ١٧١ عن أبي هريرة وأبي سعيد وابن ماجه ٢/ ١٢٤٤ عن أنس بن مالك ومالك في الموطأ ١/ ٢٠٨، وأحمد ٢/ ٤٢٩ عن أبي هريرة/١٥، وعن أبي سعيد ٢٣، ٣٥، ٤٣.
وورد عن كثير من الصحابة غير هؤلاء وعده بعضهم متواتراً. انظر نظم المتناثر في الحديث المتواتر للكتاني ١١٢ فقد أورده من طريق عشرين صحابياً.

<<  <   >  >>