للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المنافع، فإن أسقطوا ما أذن لهم فيه من ذلك فهو التفويض (وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ) (١) معناه رجعت، الرجوع على قسمين: رجوع غافل، كرجوع النبي، - صلى الله عليه وسلم -، ورجوع تارك كرجوع الصحابة، رضي الله عنهم، ومن آمن من الكفار والدعوي (٢) بعد الغفلة لكل مؤمن إنابة (وَبكَ خَاصَمْتُ) الخصام وهو المنازعة في المقال بالحجة (٣)، (وَإِلَيْكَ حَاكمْتُ) (٤) المحاكمة هي عرض الخصام على المنفذ لأحد وجهيه، وقد نفذ الباري الحق بدليله وأبانه لأوليائه بهدايته، ولعظيم خطر هذا المقام وكثرة ما يعرض فيه من تلاطم أمواج الشبه في بحر الخصام ما كان النبي، - صلى الله عليه وسلم -، يقول أول ما يستيقظ من النوم: "اللَّهُمَّ فَاطِرُ السَّموَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفونَ. إِهْدِنِي لِمَا اخْتَلَفوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ فَإِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" (٥).

وأما قوله (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي مَا قَدَّمْت وَمَا أَخَّرْتُ) فدعوة أجيبت في خاصته، وإنّا لنرجوها لأنفسنا ببركة قدوته.

حديث قول سعيد (إنَّ الرَّجُلَ يُرْفَعُ بدُعَاءِ وَلَدِهِ مِنْ بَعْدِهِ) (٦) أصح منه وأولى قول النبي، - صلى الله عليه وسلم - "إِذَا مَاتَ الْمَرْءُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ" (٧) فذكر ولداً صالحاً يدعو له.

حديث: قول هشام بن عروة أن قوله تعالى {وَلَا تَجْهَرْ (٨) بِصَلَاتِكَ} (٩) نزلت في


(١) رجعت إليك مقبلاً بقلبي عليك. شرح الزرقاني ٢/ ٤١.
(٢) في (م) والذكر.
(٣) أي خاصمت من خاصمني من الكفار أو بتأييدك ونصرك قاتلت. شرح الزرقاني ٢/ ٤١.
(٤) أي كل من جحد الحق وما أرسلتني به لا إلى من كانت الجاهلية تتحاكم إليه من كاهن ونحوه. وقدم جميع صلات هذه الأفعال عليها إشعاراً بالتخصيص وافادة للحصر. شرح الزرقاني للموطًا ٢/ ٤١.
(٥) مسلم كتاب صلاة المسافرين باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه ١/ ٥٣٤، والنسائي ٣/ ٢١٢ - ٢١٣، وابن ماجه ١/ ٤٣١ - ٤٣٢، وأحمد ٦/ ١٥٦ كلهم عن عائشة.
(٦) الموطّأ ١/ ٢١٧، مالك عَنْ يَحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّب كَانَ يَقولُ: إِنَّ الرَّجل ليرْفَعُ بِدُعَاءِ وَلَدِهِ .. قال ابن عبد البر هذا الحديث في الموطأ هكذا، وهذا لا يدرك بالرأي، وقد روي بإسناد جيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، من حديث أبي هرَيْرَة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إنَّ الله لَيَرْفَعُ لِلْعَبْدِ الدَّرَجَة فَيَقُولُ يا رَبِّ أنّى هذِهِ الدَّرَجةُ فَيُقَالُ بِاسْتغْفَارِ ابْنك لَكَ) التقصي ص ٢١٣.
درجة الحديث: جوَّد إسناده ابن عبد البر ولم أطلع عليه عند غيره.
(٧) مسلم في كتاب الوصية باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته ٣/ ١٢٥٥، وأبو داود ٣/ ٣٠٠، والترمذي ٣/ ٦٦٠، والنسائي ٦/ ٢٥١ كلهم عن أبي هُرَيْرَة.
(٨) سورة الإسراء آية (١١٠).
(٩) الموطأ ١/ ٢١٨ مرسلاً عن هشام بن عروة عن أبيه. قال الحافظ: وتابع مالك على إرساله سعيد بن منصور عن =

<<  <   >  >>