للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

... الله) (١). وهذا تصريح بنفي والعلم الخفي عن الباري، وتقصير القدرة عن جمع المفترق، وقد اختلف الناس فيمن أقر بالذات، وأنكر الصفات، أو بضعها هل يحكم له بالإيمان والتفسيق، أم يقضى عليه بالكفر والتعطيل؟ وقد بيَّنَّا ذلك في إكفار المتأوّلين، والمختار لكم منه قبل هذا بلمعة فانظروها. والصحيح عندي، في تأويل هذا الحديث، أن هذا الرجل كان مؤمناً بشرع من قبله، في زمن الفترة وعند تغير الملل ودروسها، ومَن اتَّبع الدين، على هذه الحال، وطلب التوحيد، بين هذه الشبه، فإن ما أدرك منه ينتفع به، وما فاته يسامح فيه، وهذا قسّ (٢) ابن ساعدة وزيد بن عمرو (٣)


= قال أبو محمد: ونحن نقول في (أضِلُّ الله) أنه يعني أفوت الله. تقول: ضللت كذا وكذا وأضللته، ومنه قول الله تعالى: {فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى} أي لا يفوت ربي.
وهذا رجل مؤمن بالله مقرٌ به خائف له، إلا أنه جهل صفة من صفاته فظنّ أنه إذا أُحرِق وذُري في الريح أنه يفوت الله فغفر الله تعالى له بمعرفته تأنيبه ومخافته من عذابه وجهله بهذه الصفة من صفاته، وقد غلط في صفات الله تعالى قوم من المسلمين ولا يحكم لهم بالنار بل ترجأ أمورهم إلى من هو أعلم بهم وبنيَّاتهم. مختلف الحديث ص ١١٩.
ونقل الزرقاني عن ابن عبد البر قوله: قال بعض العلماء هذا رجل جهل بعض صفات الله، وهي القدرة، ولا يكفر جاهل بعضها وإنما يكفر مَنْ عاند الحق. شرح الزرقاني ٢/ ٨٦. وقال ابن أبي جمرة: كان الرجل مؤمناً لأنه قد أيقن بالحساب وأن السيئات يعاقب عليها، وأما ما أوصى به فلعله كان جائزاً في شرعهم، وذلك لتصحيح التوبة، وقد ثبت في شرح بني إسرائيل قتلهم أنفسهم لصحة التوبة. فتح الباري ١١/ ٣١٥.
(١) أقول: الحديث بهذا اللفظ عند أحمد عن شيخه مهنأ بن عبد الحميد، أبو شبل، عن حماد بن سلمة عن أبي قزعة عن حكيم بن معاوية عن أبيه عن النبي، - صلى الله عليه وسلم -، قال: (إِن رَجُلاً كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَزَقَهُ الله مَالًا وَوَلَداً حَتَّى إِذا ذهبَ عَصْرٌ وَجَاءَ عَصْرٌ، فَلَما حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ: أي بَنِي! أيُّ أبٍ كُنْتُ لَكُمْ؟ فَقَالُوا: خَيْرَ أبٍ .. فَأذرُوني نِصْفِي في الْبَرَّ وَنصْفِي في الْبَحْرِ لَعَلَّي أضِلُّ الله). المسند ٤/ ٤٢٧، وفي ٥/ ٣ عن عفان عن حماد بن سلمة به. وعن يحيى بن سعيد قال: ثنا بهز عن أبيه عن جده ٥/ ٤. والحديث صحيح.
(٢) مات في ٢٣ قبل الهجرة.
قس بن ساعدة بن عمرو بن عدي بن مالك، أحد حكماء العرب ومن كبار خطبائهم في الجاهلية، كان أسقف نجران، ويقال: إنه أول عربي خطب متوكئاً على سيف أو عصا، وأول من قال في كلامه: أما بعد. طالت حياته وأدرك النبي، - صلى الله عليه وسلم -، قبل النبوة ورآه في عكاظ. الأعلام ٦/ ٣٩، والبيان والتبيين للجاحظ ١/ ٢٧، وعيون الأثر ١/ ٦٨، وخزانة الأدب ١/ ٢٦٧.
(٣) زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى القرشي العدوي، نصير المرأة في الجاهلية، وأحد الحكماء، وهو ابن عم عمر بن الخطاب، لم يدرك الإِسلام وكان يكره عبادة الأوثان ولا يأكل مما ذبح عليها .. رآه=

<<  <   >  >>