للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الناس فيه، وتمتد الآمال نحوه وإلا فقد كانت الخضروات بالمدينة وقراها فما تعرض النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا أحد من الخلفاء (١) لها، وأما النصاب فلا خلاف فيه، وأما نصاب الماشية فتقدر بالنص (٢)، وأما نصاب الورق فبمثله (٣)، وأما نصاب الذهب فتقدر، بإجماع الصحابة، على حمل أحد النصابين على الآخر، والجامع بينهما أن قيمة الدينار في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، عشرة دراهم حتى جاء الحسن البصري فقال: إن نصاب الذهب أربعون ديناراً (٤)، وهي دعوى لا تشبه منصبه في العلم، فإن قائلًا لو قال له في المعارضة بل نصاب الزكاة ثلاثون ديناراً لما انفكَّ عن ذلك. إذا ثبت هذا فإن النبي - صلى الله عليه وسلم -، علَّق الزكاة في العين بالورق، فإذا اتفق الناس على جريها عدداً هل تتعلق الزكاة بها فيه ولا يعتبر الوزن، أم لا بد من الوزن؟ فقال عامة الفقهاء: لا بد من الوزن؟ وقال مالك، رضي الله عنه: يعتبر العدد ويسقط الوزن إلا أن يكون النقصان يسيراً كالحبة في الدينار أو الحبتين (٥). قال


(١) قال الشارح في العارضة ملخصاً ما ورد في كتابه أحكام القرآن ٢/ ٧٤٦ - ٧٥٤ في. تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ} إلى قوله {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}، فامتن الله تعالى على خلقه في إثبات الأرض، ثم قال لهم كلوا مما انعمت به عليكم وآتوا حقه إذا جمعتموه بأيديكم وأويتموه إلى رحالكم، فكما خلقه نعمة ومكَّن منه نعمة أوجب فيه الحق قال مالك: الحق ها هنا الزكاة وصدق، ومن قال غير هذا فقد وهم، وتعين حمل هذا على عمومه إلا ما خصه دليل يصح تخصيصه. فأما من حمله على عمومه فاستثنى الحطب والقصب والحشيش فلا يقال إنه تخصيص لأنه قال: {وكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}، فإنما أوجب إيتاء الحق فيما يوكل، وإلى هذا النحو أشار حماد، وعليه دار من قال ماله ثمرة باقية، ولكنه خصه بالمقتات بإشارة قوله: {يَوْمَ حَصَادِهِ}؛ وكأنه أشار بيوم الحصاد إلى يوم الجرين .. وأقوى المذاهب في المسألة مذهب أبي حنيفة دليلًا وأحوطها للمساكين وأولاها قياماً وشكراً للنعمة، وعليه يدل عموم الآية والحديث، وقد رام الجويني على تحقيه أن يخرج عموم الحديث من بين يدي أبي حنيفة بأن قال: إن هذا الحديث لم يأتِ للعموم وإنما جاء بتفصيل الفرق بين ما تقل مؤنته وتكثر، وأبداً في ذلك وأعاد، وليس يمتنع أن يقضي الحديث الوجهين العموم والتفصيل وذلك الحمل في الدليل واضح في التأويل. العارضة ٣/ ١٣٣.
(٢) تقدم.
(٣) تقدم
(٤) قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الذهب إذا كان عشرين مثقالاً قيمتها مائتا درهم أن الزكاة تجب فيها إلا ما حكي عن الحسن أنه قال: لا زكاة فيها حتى تبلغ أربعين. المغني ٣/ ٣٧، وقال الشوكاني: بعد أن حكى عن الحسن مثل ما حكى الشارح وروى عنه مثل قول الأكثر. نيل الأوطار ٤/ ٢٠٠.
وقال الشارح في العارضة: ولا يصح عن أحد من السلف اعتبار الأربعين إلا الحسن، وإذا كان الأثر ضعيفاً والنظر معدوماً والنصاب في الفضة يعرف الذهب محمول عليه والله أعلم. العارضة ٣/ ١٠٤.
(٥) انظر المنتقى للباجي ٢/ ٩٦.

<<  <   >  >>