للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فرض عين على من نزل به.

الثاني: هجرة الرجل ماله وأهله للخروج إلى العدو عند الاستنصار به أو عند استنفاره لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وَإذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفُرُوا" وكذلك "إذا اسْتنْصِرْتُمْ فَانْصُرُوا" وفي غير هذين الموضعين تكون هذه الهجرة فرض كفاية (١). ويتعلق بهذا ويرتبط به قتال الخوارج (٢) إذا ظهروا يطلبون مالاً أو ملكاً فإن قتالهم فرض وقتلهم قربة وسنبين الآن، إن شاء الله تعالى، بعضاً من الفرض فيهم ولا ينقطع الجهاد إلا بالإِسلام. قال - صلى الله عليه وسلم -:"أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَاسَ حَتى يَقُولُوا لاَ الهَ إلا الله" (٣) الحديث. فإن لم يكن إسلام فالجزية بالقرآن، قال الله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} (٤) الآية .. وذلك من الله تعالى على وجه الرفق بنا حتى ننجِّي من الحرب أنفسنا وتكثر بالجزاء أموالنا وزاد في الرفق بأن قال: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} (٥)، وهذا وإن كان خاصاً للنبي، - صلى الله عليه وسلم -، فإن الآية محكمة (٦) إلى أن تقوم الساعة إذا رأى الإِمام ذلك، واحتاج الناس إليه ينعقد (٧) الصلح على ما يمكنه من ضعف المسلمين وقوَّتهم ولا يمنع ذلك من إجابة الناس الكفار إليه إذا كان للمسلمين منفعة فيه، ولا أعظم من حالة النبي، - صلى الله عليه وسلم -، يوم الحديبية التي انكرها عمر، رضي الله عنه، حين قالوا للنبي، - صلى الله عليه وسلم -: وعلى إن تردَّ إلينا من- جاءكم منا مسلماً، قال


(١) نقل الحافظ عن الخطابي قوله: كانت الهجرة فرضاً في أول الإِسلام على من أسلم لقلِّة المسلمين بالمدينة وحاجتهم إلى الاجتماع، فلما فتح الله مكة دخل الناس في دين الله أفواجاً فسقط فرض الهجرة على من أسلم ليسلم من أذى ذويه من الكفار؛ فانهم كانوا يعذِّبون من أسلم منهم إلى أن يرجع عن دينه .. قال الحافظ: وهذه الهجرة باقية في حق من أسلم في دار الكفر وقدر على الخروج منها .. ونقل عن الطيبي قوله: إن الهجرة التي انقطعت هي مفارقة الوطن التي كانت مطلوبة على الأعيان إلى المدينة انقطعت إلا أن المفارقة بسبب الجهاد باقية، وكذلك بسبب نية صالحة كالفرار من دار الكفر والخروج في طلب العلم، والفرار بالدين من الفتن والنية في جميع ذلك. فتح الباري ٦/ ٣٧.
(٢) الخوارج هم الذين يكفِّرون علياً وعثمان والحكمين وأصحاب الجمل وكل من رضي بتحكيم الحكمين .. والخروج على الإِمام الجائر. الفرق بين الفرق ص ٧٣ مقالات الإِسلامين ١/ ١٦٧.
(٣) متفق عليه. البخاري في الزكاة وجوب الزكاة ٢/ ١٣١، ومسلم في الإيمان باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ١/ ٥٢، والبغوي في شرح السنة ١/ ٦٦ كلهم عن أبي هريرة.
(٤) سورة التوبة آية ٢٩.
(٥) سورة الأنفال آية ٦١.
(٦) قال في الأحكام. وأما قول من قال منسوخة بقوله: {قَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافة} فدعوى فإن شروط النسخ معدومة فيها. الأحكام ٢/ ٨٦٤.
(٧) كذا في النسخ ولعلها يعقد.

<<  <   >  >>